ب - وأمّا الَّذي لا يتورّع عن اتخاذ أي وسيلة لتحقيق غاياته فإِنَّه يُكَيِّف أفعاله وفق مصالحه الذاتية، وتكون علاقاته مع الآخرين محكومة بالمصالح الخاصة به، فهو في سعي دائب، وشغف وتعلّق بظاهر الحياة وزخرفها، ولسان حاله يقول: إذا مت ظمآن فلا نزل القطر.
وأمّا الَّذي يُداري، ويُتدارى منه، يأخذ بحق، ويعطي بعدل، يرغب في الزيادة، ويخاف من المشتبهات فيها، يملك من الإرادة ما يجعله يسيطر على رغبات نفسه - غالبًا عِند تجاوزها حدود الله.
فهو يحرص على المباحات عند التفتيش عن الوسائل، ويتتبع الرخص عند الدفاع عن نفسه، وإقناعه لها.
فشهوة حبّ التملك تغالبه عند استرساله في تصور الأمور، وتحليلها.
فالأوّل يغلب عليه الزهد، والقناعة، الَّلذان ملأا جوانح نفسه بالرضا بما قسم الله له.
والثاني غلبه هواه، وطوَّعته نفسه، وسيَّره الشيطان.
فالهوى أعمى بصيرته، والنفس أطغته، والشيطان زيّن له عمله فرآه حسنًا. فنفسه سوّلَت له فعل تحقيق شهواتها، ففعل، حَتَّى إذا ذُكِّر، أو تذكّر سوء العاقبة، علم أنّ الله غفور رحيم. وأطنب في التسويف، وتشدَّق بقوله: ليس إنسانًا معصومًا، ثمَّ تغلبه نفسه على ما تعوّد منها.
ثمَّ هو ينقم على كلّ من يفضله بمالٍ، أو جاه، أو عيال، فلا ينسب التقصير إلى نفسه، بل إلى سوء طالع، وشحّ الفرص في الحياة.
وما أن تلوح له فرصة منها حَتَّى يبادر إلى اقتناصها غير مبال بالنتائج، فالحلال ما وقع في يده، والحرام ما استعصى عليه.