قال الخطابي: إنّ كلّ مولود من البشر إنما يولد في أوّل مبدأ الخلق، وأصل الجبلَّة على الفطرة السليمة، والطبع المتهيء لقبول الدِّين. فلو تُرك عليها، وخُلِّي وسوْمَها لاستمر على لزومها، ولم ينتقل عنها إلى غيرها.
وذلك أنّ هذا الدين بادٍ حسنه في العقول، ويُسْره في النفوس.
وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره، ويؤثره عليه لآفة من آفات النشوء، والتقليد.
ولما سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ولم يختر عليه سواه.
ثمَّ تمثل بأولاد اليهود، والنصارى في اتِّباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم، فيزولون بذلك عن الفطرة السليمة، وعن المحجة المستقيمة 1.
(5) غير أن للعقل في الإنسان دورًا بالغ الأهميّة في هدايته، عند اكتمال نضجه، وتحرّره من القيود غير الشرعية، والأوهام في العادات والتقاليد الموروثة، ويبقى على أصل خِلقته من السلامة من الآفات.
فمن النّاس من ينشأ كافرًا ثمَّ يهتدي بعقله - بعد إرادة الله - إلى الإيمان الحق، متدبّرًا لآيات الله في الكون، وفي نفسه.
فيتحوّل من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة.
والأمر نفسه يظهر في الأخلاق، والسلوك، فينشأ الإنسان على نمط منهما سيئاً ثم يهتدي بعد أن تزول عن عينيه غشاوة الضلال.
(6) وإذا تكلّف إنسان سلوكاً معيّناً لتحقيق غايته، تكلّف نمطاً غريباً،