المقدمة

حين بدأت الاطلاع على أدب العصر المملوكي، لاحظت ظواهر أدبية مختلفة، لا زالت بحاجة إلى الدرس الجاد والمتأني، ولا زالت تنتظر من يخرجها إلى النور بعد أن قبعت قرونا متطاولة في ظلام الإهمال الذي تعامل به الدارسون مع أدب العصر المملوكي بحجج مختلفة ومسوغات واهية.

فقد أعرض معظم الباحثين عن دراسة أدب العصر، ورموه بالانحطاط والتقليد والجمود، ولم يقفوا عنده إلا وقفة عجلى لا تغني ولا تفيد، فاكتنفه الغموض في أذهان طلاب الأدب وشداته، لا يعرفون عنه غير الأحكام الجاهزة الظالمة التي اعتدنا إطلاقها عند الحديث عن أدب العصر المملوكي وما بعده.

ولم تقتصر أوصاف الجمود والانحطاط على الأدب فقط، بل أطلقت على العصر كله، وجوانب الحياة فيه، ولا ندري ما مسوغات أصحاب هذه الأحكام، ولكنها بلا شك لم تأت نتيجة دراسة مستفيضة، وأبحاث جادة، وتقييم منصف، ويبدو أن إهمال أنشطة العصر المختلفة وظلمها، يرجع إلى أمور خارجة عن نطاق الأدب والثقافة، وتتعلق بقضايا أخرى تخص الدارسين أنفسهم، الذين تابعوا في دراستهم للأدب العربي ما جاء به المستشرقون، وهؤلاء لهم نظرتهم الخاصة إلى التاريخ العربي والأدب العربي، تختلف عن نظرتنا إليهما. والعصر المملوكي هو عصر إنهاء الوجود الصليبي من وطننا العربي، وعصر رد الاجتياح المغولي المدمر، وعصر توقيف الامتداد الأوروبي نحو الشرق، وأدبه يطفح بتمجيد الانتصارات العربية على الفرنجة الأوربيين، ويظهر ذلّهم حين أرادوا سلخ بلاد الشام عن الجسد العربي الإسلامي، والقضاء على الوجود العربي الإسلامي المستقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015