وأفاضوا في ذكر المقدسات، معبرين عن عواطفهم الدينية ومشاعرهم الروحية، وانتشر هذا الأسلوب من التعبير، فلا يكاد يخلو ديوان شاعر منه في ذلك الوقت، وانتقلوا به من التوجه الديني إلى توجهات أخرى، أهمها الغزل الذي قرن به في هذا الموضع، وإن كان هنا رمزيا، فإن الغزل الآخر الذي ذكر الشعراء معه الأماكن المقدسة لم يكن رمزيا، فقد أضحت أسماء الأماكن الحجازية ذات ظلال محببة إلى النفوس، وإيحاآت مثيرة للشجون، يقوى بها الغزل ويؤثر، فالتلعفري (?) الذي أدمن الخمر وتعاطى القمار، يقول في مقدمة موشح غزلي:
ليس يروي ما بقلبي من ظما ... غير برق لائح من إضم
إن تبدّى لك بان الأجرع ... وأثيلات النّقا من لعلع
يا خليلي قف على الدّار معي ... وتأمّل كم بها من مصرع
واحترز واحذر فأحداق الدّمى ... كم أراقت في رباها من دمي (?)
وكأن ذكر الأماكن المقدسة تعويض عن ذكر الأطلال والوقوف عليها، فلم يعد من المناسب أن يقف الشاعر على أطلال لم يعرفها ولم يرها، فساقه الاتجاه الأدبي السائد إلى الديار التي انتشر ذكرها، وهي الديار المقدسة.
ويظهر هذا التوجه بوضوح في غزل البهاء زهير (?) ، فلا ندري ما هي الظلال التي تلقيها كلمات مثل البان والحمى في شعره، وهل هي نفسها الظلال التي تتركها في النفس حين تستخدم في غير هذا الموضع من قوله: