وليست محبوباتهم من لحم ودم، وإن فصّلوا في محاسنهن، فهنّ رموز لما يعتلج في نفوس الشعراء، تسهّل عليهم التعبير الشجي المؤثر.

وتظهر الرمزية أكثر حين نحس أن الشاعر يخاطب الحجاج على طريقة مخاطبة الظعن، فمخاطبة الحجاج لا تسمح له بإظهار مشاعره بحرارة ودقة، لذلك يرمز لهم بجماعة النساء اللواتي يقطعن الفيافي من معهد إلى معهد، والشاعر يتتبع أخبارهن بلهفة وشوق، ويحسدهن على حلولهن في تلك المرابع التي يحنّ للوصول إليها، مثل قول القاضي الرشيد بن الزبير (?) :

رحلوا فلا خلت المنازل منهم ... ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم

ما ضرّهم لو ودّعوا ما أودعوا ... نار الغرام وسلّموا من أسلموا

هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا ... أو أيمانوا أو أنجدوا أو أتهموا (?)

ومضى الشعراء يبثون المعاهد الحجازية أشواقهم، ويظهرون لها مواجدهم، فهم في حنين دائم إليها، وفي حرقة لمشاهدتها، يذرفون العبرات لعجزهم عن الوصول إليها، فيستحيل وجدهم بها وجدا عاما، أو حالا دائمة، تشبه نزعة الصوفي الدائمة إلى الصفاء، أو كما أوضح ابن جياء الكاتب (?) في حديثه عن حاله عند ما قال:

حتّام أجري في ميادين الهوى ... لا سابقا أبدا ولا مسبوق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015