ويبدون حنينهم لبيت الله على الأرض ولمثوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قطب الأقطاب وسيد الخليقة، الذي يحجّون إليه بأرواحهم، ولأنها أضحت رموزا من رموزهم الكثيرة التي يعبّرون بها عن طريقتهم، لذلك نجد شعر ابن الفارض مثلا يفيض بأسماء الأماكن الحجازية مثل قوله في قصيدته التي حمّلها سلامه وتحياته إلى مرابع الحجاز، يتشوق إليها متمنيا أن تهبّ عليه نسمة منها، أو أن يصل إلى جرعة من مائها:

هل نار ليلى بدت ليلا بذي سلم ... أم بارق لاح في الزّوراء فالعلم

أرواح نعمان هلّا نسمة سحرا ... وماء وجرة هلّا نهلة بفم

يا سائق الظّعن يطوي البيد معتسفا ... طيّ السّجلّ بذات الشّيح من إضم

ناشدتك الله إن جزت العقيق ضحى ... فاقر السّلام عليهم غير محتشم (?)

والملاحظ أن ابن الفارض يحشد أسماء الأماكن الحجازية في شعره، وربما لم يفته اسم مكان منها، وقد تابعه الشعراء في الإكثار من ذكر أسماء المعاهد الحجازية، وخاصة شعراء المديح النبوي.

وقد مزج ابن الفارض وغيره من المتصوفة ذكر الأماكن المقدسة في الغزل الرمزي مثلما يمزج الشعراء ذكر الديار والوقوف على الأطلال بغزلهم وشوقهم إلى محبوباتهم، وكما يكون ذكر الديار عند الشعراء مدخلا إلى الغزل وتذكر المحبوبة وعرض مشاعرهم نحوها وحنينهم إليها يكون ذكر المقدسات عند المتصوفة مدخلا للغزل الرمزي، وبث لواعج الوجد، وإظهار مشاعر المحبة الإلهية، مثل قول العفيف التلمساني (?) :

طور بواسطة نورين ميديا © 2015