سر وَكَذَلِكَ لَو بدئت اللُّغَة الفارسية فَوَقَعت الْمُوَاضَعَة عَلَيْهَا جَازَ أَن تنقل وتتولد مِنْهَا عدَّة لُغَات من الرومية أَو الزنجية وَغَيرهمَا وعَلى هَذَا مَا نشاهد الْآن من اختراعات الصناع لآلات صنائعهم من الْأَسْمَاء كالنجار والصائغ والحائك والملاح قَالُوا وَلَكِن لابد لأولها أَن يكون متواضعها بِالْمُشَاهَدَةِ والإيماءِ قَالُوا وَالْقَدِيم سُبْحَانَهُ لَا يجوز أَن يُوصف بِأَن يواضع أحدا من عباده لِأَن الْمُوَاضَعَة بالإشارةِ والإيماءِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بالجارحةِ المحدودةِ كَأَنَّهُمْ يذهبون إِلَى أَنه لَا جارحةَ لَهُ. وَجَمِيع مَا ذكرته من هَذَا الْفَصْل إِنَّمَا هُوَ نقل عَن هَؤُلَاءِ قَالُوا وَلكنه قد يجوز أَن ينْقل الله تَعَالَى اللُّغَة الَّتِي قد وَقع التَّوَاضُع من عباده عَلَيْهَا بِأَن يَقُول الَّذِي كُنْتُم تعبرون عَنهُ بِكَذَا عبروا عَنهُ بِكَذَا وَجَوَاز هَذَا مِنْهُ تَعَالَى كجوازه من عباده وعَلى ذَلِك أَيْضا اخْتلف أَقْلَام ذَوي اللُّغَات كَمَا اخْتلفت أنفس الْأَصْوَات المترتبة على مذاهبهم فِي المواضعات وَاخْتلفت الأشكال المرسومة على حد اخْتِلَاف الْأَصْوَات الْمَوْضُوعَة. وَقد تهَيَّأ لنا أَن نقُول لمن نفى المُواضَعَة عَن الْقَدِيم لِعِبَادِهِ وَاحْتج على ذَلِك بِأَن الْمُوَاضَعَة لابد فِيهَا من الإيماءِ والإيماءُ إِنَّمَا هُوَ بالجارحة وَهُوَ سُبْحَانَهُ عِنْده على رَأْيه سُبْحَانَهُ لَا جارحة لَهُ مَا تنكر أَن يَصح الْمُوَاضَعَة سُبْحَانَهُ وَإِن لم يكن ذَا جارحة بِأَن يحدث فِي جسم من الْأَجْسَام خَشَبَة أَو غَيرهَا من الْجَوَاهِر إقبالاً على شخص من الْأَشْخَاص وتحريكاً لَهَا نَحوه وَيسمع فِي تحّرك ذَلِك الْجَوْهَر إِلَى ذَلِك الشَّخْص صَوتا يَضَعهُ اسْما لَهُ وَيُعِيد حَرَكَة ذَلِك الْجَوْهَر نَحْو ذَلِك الشَّخْص دفعات مَعَ أَنه عز اسْمه قَادر أَن يقنع فِي تَعْرِيفه ذَلِك بالمرة الْوَاحِدَة فَيقوم ذَلِك الْجَوْهَر فِي ذَلِك الإيماءِ وَالْإِشَارَة مقَام جارحة ابْن آدم فِي الْإِشَارَة بهَا للمواضعة وكما أَن الْإِنْسَان أَيْضا قد يجوز إِذا أَرَادَ المواضَعَة أَن يُشِير بِغَيْر جُزْء من جِسْمه بل بجوهر آخر كالقضيب وَنَحْوه إِلَى المُرَاد المتواضع عَلَيْهِ فيقيمه فِي ذَلِك مقَام يَده وَسَائِر جوارحه الْمشَار بهَا كالحاجب وَالْعين لَو أَرَادَ الإيماءَ بهما نَحْو الشَّيْء وَقد عُوِرضَ أحدهم بِهَذَا القَوْل فَوَقع عَلَيْهِ التَّبكيت وَلم يُحِر جَوَابا وَلم يزدْ على الِاعْتِرَاف لخصمه شَيْئا وَهُوَ على مَا ترَاهُ الْآن لَازم لمن قَالَ بامتناع مواضعة الْقَدِيم وَقد يَنْبَغِي للمتأمل الْمنصف والدقيق النّظر غير المُتَعَسّفِ وَلَا البَرِمِ المتعجرف فِيمَا بعد أَن لَا يقتاد لمُمِوَّه الْبَرَاهِين وَأَن لَا يقنع مَا دون أَعلَى طبقَة من الْيَقِين وَأَن يقف بِحَيْثُ وقف بِهِ الْإِدْرَاك فَوَجَبَ عَلَيْهِ عِنْد ذَلِك الْإِمْسَاك وَإِن كَانَ قد أفْضى بِهِ النّظر إِلَى الشكائك الجدلية أَنه نَاقص عَن منزلَة الْحَقِيقَة لِأَن الشكائك الجدلية لَا يقنع بهَا أَو يجلو لَيْلهَا تباشير صبح الْبُرْهَان وَقد أدمت التنقير والبحث مَعَ ذَلِك عَن هَذَا الْموضع فَوجدت الدَّوَاعِي والخوالج قَوِيَّة التجاذب لي مُخْتَلفَة جِهَات التغول على فكري وَذَلِكَ لأَنا إِذا تأملنا حَال هَذِه اللُّغَة الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة اللطيفة وجدنَا فِيهَا من الْحِكْمَة والدقة والإرهاف والرقة مَا يملك علينا جَانب الْفِكر حَتَّى يطمح بِنَا أَمَام غلوة السحر فَمِنْهُ مَا نبه عَلَيْهِ الْأَوَائِل من النَّحْوِيين وحذاه على أمثلتهم الْمُتَأَخّرُونَ فَعرفنَا بتبينه وانقياده وَبعد مراميه وآماده صِحَة مَا وفقوا لتقديمه مِنْهُ ولطف مَا أسعدوا بِهِ وَفرق لَهُم عَنهُ وانضاف إِلَى ذَلِك وَارِد الْأَخْبَار المأثورة بِأَنَّهَا من عِنْد الله تبَارك وَتَعَالَى فقوي فِي أَنْفُسنَا اعْتِقَاد كَونهَا تَوْفِيقًا من الله تَعَالَى وَأَنَّهَا وَحي. فَإذْ قد بَينا مَا اللُّغَة أَمتواطأ عَلَيْهَا أم موحىً بهَا ملهم إِلَيْهَا فلنقل على حَدهَا وَهُوَ عَام لجَمِيع اللُّغَات لِأَن الْحَد طبيعي ثمَّ لنردف ذَلِك بالْقَوْل على اشتقاق الِاسْم الَّذِي سمته الْعَرَب بِهِ وَهُوَ خَاص بلسانها الْآن الْأَسْمَاء تواطئية، أما حَدهَا ونبدأ بِهِ لشرف الْحَد على الرَّسْم فَهُوَ أَنَّهَا أصوات يعبر بهَا كل قوم عَن أغراضهم وَهَذَا حد دائر على محدوده مُحِيط بِهِ لَا يلْحقهُ خلل إِذْ كل صَوت يعبر بِهِ عَن الْمَعْنى الْمَنْصُور فِي النَّفس لُغَة وكل لُغَة فَهِيَ صَوت يعبر بِهِ عَن الْمَعْنى المتصور فِي النَّفس وَأما وَزنهَا وتصريفها وَمَا تحلل إِلَيْهِ من الْحُرُوف