الحفلات الباذخة حبا في المباهاة، وقد تتفتت الثقافة بفعل التعليم الأجنبي الذي يختلف عن التعليم الوطني في البلد الواحد، وتنقسم التربية إلى قسمين متنافرين أحدهما ديني والآخر علماني.
وهناك من يعزو التخلف إلى الجنس والعقيدة، ولكن ثبت مثلا أن اليابان وهي تضم سكانا من الجنس الأصفر قد حققت تقدماً هائلاً ذعرت له دول الجنس الأبيض، كما سجل التاريخ للصين والهند وغيرهما حضارات زاهرة. وكثيراً ما يتبجح المفترون بزعم أن الإسلام سبب تخلف الدول المؤمنة به، وهو تعصب أعمى يكشف عن الحقد الدفين منذ مئات السنين، فالإسلام هو الذي عالج قضايا الدنيا والدين، وهو الذي حدد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية تحديداً ينهض دليلاً على الرقي والتقدم، ووضع للعمل والإنتاج قيمة كبرى. وإذا كان المسلمون متخلفين في بعض مجتمعاتهم، فإن ذلك لا يرجع إلى الإسلام، بل إنه على العكس من ذلك يرجع إلى إهمال الدين وعدم التمسك بتعاليمه السمحة البناءة.
وهناك نظرية حديثة ترجع أسباب التخلف إلى الاستعمار. فالدول الاستعمارية استطاعت خلال عشرات السنين أن تحدث تنميتها وتقدمها على حساب المواد الأولية من البلدان التي استعمرتها، وبسيطرتها على التجارة الخارجية للمستعمرات، وجعلها سوقا لمنتجاتها، وبحرمان شعوب المستعمرات من فرض التقدم.
يقول القائد الهولندي " كوين" الذي غزا جاكرتا: " ألا يستطيع أي رجل في أوربا أن يفعل بماشيته ما يشاء؟ هكذا يفعل السيد هنا برجاله الذين يعتبرون بكل ما يملكون ملكاً خاصاً للسيد شأنهم في ذلك شأن البهائم في الأراضي المنخفضة - أي هولندا!! ".
وقام الأسبان في أمريكا اللاتينية بما قام به الفرنسيون في شمال أفريقيا. لقد أهملت الطرق التي شيدها الوطنيون عن عمد لأن أسبانيا كانت تريد تقسيم المستعمرات وحكمها على أساس المبدأ الاستعماري المعروف: فرق تسد. ولهذا جعلت المواصلات والطرق تمتد من الداخل إلى الساحل، ومن الساحل إلى الوطن الأم، إنه نفس الأسلوب الفرنسي في شمال أفريقيا، والأسلوب الإنجليزي في الدول الإسلامية. لقد كان المسافر من القاهرة إلى الجزائر لابد أن يطير إلى باريس أولا، وكان قصد المستعمر دائما هو تفتيت الوحدة بين أصحاب العقيدة الواحدة، وخلق منازعات على الحدود عندما يرحل.