في هذه السنة، في أول ربيع الآخر، فتحت طرابلس الشام. وصورة ما جرى: أن السلطان الملك المنصور، خرج بالعساكر المصرية في المحرم من هذه السنة، وصار إلى الشام، ثم سار بالعساكر المصرية والشامية، ونازل مدينة طرابلس الشام، يوم الجمعة مستهل ربيع الأول من هذه السنة، ويحيط البحر بغالب هذه المدينة، وليس عليها قتال في البر إلا من جهة الشرق، وهو مقدار قليل.
ولما نازلها السلطان، نصب عليها عدة كثيرة من المجانيق الكبار والصغار، ولازمها بالحصار، واشتد عليها القتال حتى فتحها، يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر من هذه السنة بالسيف، ودخلها العسكر عنوة، فهرب أهلها إلى الميناء، فنجى أقلهم في المراكب، وقتل غالب رجالها، وسبيت ذراريهم، وغنم منهم المسلمون غنيمة عظيمة. وحصار طرابلس هو أيضاً مما شاهدته، وكنت حاضراً فيه، مع والدي الملك الأفضل، وابن عمي الملك المظفر صاحب حماة، ولما فرغ المسلمون من قتل أهل طرابلس ونهبهم، أمر السلطان فهدمت، ودكت إلى الأرض، وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة، وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنطماس، وبينها وبين طرابلس الميناء، فلما أخذت طرابلس، هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالم عظيم من الفرنج والنساء، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر، وعبروا بخيولهم ساحة إلى الجزيرة المذكورة، فقتلوا جميع من فيها من الرجال، وغنموا ما بها من النساء والصغار، وهذه الجزيرة بعد فراغ الناس من النهب، عبرت إليها في مركب، فوجدتها ملأى من القتلى، بحيث لا يستطيع الإنسان الوقوف فيها من نتن القتلى.
ولما فرغ السلطان من فتح طرابلس وهدمها، عاد إلى الديار المصرية، وأعطى صاحب حماة الدستور، فعاد إلى بلده، وكان الفرنج قد استولوا على طرابلس في سنة ثلاث وخمسمائة، في حادي عشر ذي الحجة، فبقيت بأيديهم إلى أوائل هذه السنة، أعني سنة ثمان وثمانين وستمائة، فيكون مدة لبعثها مع الفرنج، نحو مائة سنة وخمس وثمانين سنة وشهور.
وفيها: مات قتلاي خان بن طلو بن جنكز خان ملك التتر بالصين، وهو أعظم الخانات، والحاكم على كرسي مملكة جنكزخان، وكان قد طالت مدته، ولما مات قتلاي خان، جلس بعده ولده شهون.
ثم دخلت سنة تسع وثمانينوستمائة.
سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي في هذه السنة، في سادس ذي القعدة، توفي الملك المنصور المذكور، وصورة وفاته، أنه خرج من الديار المصرية بالعساكر المتوافرة، على عزم غزو عكا وفتحها، وبرز إلى مسجد التيرز، فابتدأ مرضه في العشر الأخير من شوال، بعد نزوله بالدهليز، في المكان المذكور، وأخذ مرضه يتزايد حتى توفي يوم السبت، سادس ذي القعدة، بالدهليز، وكان جلوسه في