القسطنطينية، وجمع برويز في مدة ملكه من الأموال ما لم يجتمع لغيره من الملوك، وتزوج شيرين المغنية، وبنى لها قصر شيرين، بين حلوان وخانقيق وكان له ثمانية عشر ابناً، أكبرهم اسمه شهريار، ومنهم شيرويه الذي ملك بعد أبيه. وأم شيرويه مريم بنت ملك الروم، ثم إِن برويز عتا وتجبر واحتقر الأكابر وظلم الرعية، وكان متولي الحبوس زادان فروخ قد أنهى إِليه أنه قد اجتمع في الحبس ستة وثلاثون ألف رجل، وقد ضاقت الحبوس عنهم، وقد عظم نتنهم، فإِن رأى الملك أن يعاقب من يستحق العقوبة، ويقطع من يستحق القطع، ويفرج عنهم.

فقال برويز: بل أقتلهم جميعهم، وأقطع رؤوسهم، وأجعلها قدام باب دار المملكة، فاعتذر زادان فروخ عن ذلك، وسأل الإعفاء عنه، فأكد عليه كسرى برويز وقال: إِن لم تقتلهم فيْ هذا النهار قتلتك قبلهم، وشتمه وأخرجه على ذلك.

فذهب إِليهم زادان فروخ وأعلم المحبسين بذلك فكثر ضجيجهم فقال: إِن أفرجت عنكم تخرجون وتأخذون بأيديكم ما تجدونه في الأسواق من آلات وأخشاب وتكبسون كسرى في داره بغتْة، فحلفوا على ذلك، وأفْرج عنهم ففْعلوا ذلك، ولم يشعر كسرى برويز إِلا بالغلبة والصياح، ولم يقدر حاشيته والذين ببابه في ذلك الوقت على رد المذكورين. فهجموا على كسرى برويز في داره، وهرب فاختبأ في جانب بستان بالدار يعرف بباغْ الهند، فدلهم عليه بعض الحاشية، فأخرجوه ممسكاً إِلى زادان فروخ، فحبسه في دار رجل يقال له مارسفيد وقيده بقيد ثقيل، ووكل به جماعة ومضى إِلى عفر بابل.

فجاء بشيرويه وأجلسه على سرير الملك، وأطاعه الخاصة والعامة، وجرى بين شيرويه وبين أبيه مراسلات وتقريع، وآخر الآمر قال شيرويه لأبيه: لا تعجب إِن أنا قتلتك، فإنني اقتدي بك، في سملك عيني أبيك هرمز وقتله، ولو لم تفعل ذلك مع أبيك، ما أقدم عليك ولدك بمثل ذلك وأرسل شيرويه بعض أولاد الأساورة الذي قتلهم برويز وأمرهم بقتله، فقتلوه.

ولمضي اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً من ملك بهريز، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إِلى المدينة وكان هلاك برويز لمضي خمس سنين وستة أشهر وخمسة عشر يوماً للهجرة، لأنه من السنة الثانية والأربعين من ملك أنوشران، وهي سنة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِلى نصف السنة الثالثة والثلاثين من ملك برويز وهي عام الهجرة، ثلاث وخمسون سنة وبيان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في السنة الثانية والأربعين من ملك أنوشروان، وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان له من العمر ثلاث وخمسون سنة، فيكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبع سنين في أيام أنوشروان، واثنتا عشرة سنة في أيام هرمز بن أنوشروان، وسنة ونصف بالتقريب في الفترة التي كانت بين إِمساك هرمز وبين استقرار ابنه برويز، واثنتان وثلاثون سنة ونصف بالتقريب من ملك برويز، ومجموع ذلك ثلاث وخمسون سنة.

وعلى ذلك فتكون السنة الثالثة والثلاثون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015