فلما وصل مروان إِلى الزاب، نزل به وحفر عليه خندقاً، وكان في مائة ألف وعشرين ألفاً، وسار أبو عون من شهرزور إِلى الزاب، بما عنده من الجموع، وأردفه السفاح بعساكر في دفوع، مع عدة مقدمين، منهم سلمة بن محمد ابن عبد الله الطائي، وعم السفاح عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، كما ذكرناه، ولما قدم عبد الله بن علي على أبي عون، تحول أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه.

ثم إِن مروان عقد جسراً على الزاب، وعبر إِلى جهة عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس، فسار عبد الله بن علي إلى مروان، وقد جعل على ميمنته أبا عون، وعلى ميسرته الوليد بن معاوية، وكان عسكر عبد الله عشرين ألفاً، وقيل أقل من ذلك، والتقى الجمعان، واشتد بينهم القتال، وداخل عسكر مروان الفشل، وصار لا يريد أمراً إِلا وكان فيه الخلل، حتى تمت الهزيمة على عسكر مروان، فانهزموا وغرق من أصحاب مروان عدة كثيرة، وكان ممن غرق، إِبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان المخلوع، وهو يومئذ مع مروان الحمار، وكتب عبد الله بن علي إِلى السفاح بالفتح، وحوى من عسكر مروان سلاحاً كثيراً.

وكانت هزيمة مروان بالزاب، يوم السبت، لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة، سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ولما انهزم مروان من الزاب، أتى الموصل، فسبّه أهلها وقالوا: يا جعدي، الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا، فسار عنها حتى أتى حران، وأقام بها نيفاً وعشرين يوماً، حتى دنا منه عسكر السفاح، فحمل مروان أهله وخيله، ومضى منهزماً إلى حمص، وقدم عبد الله بن علي حران، ثم سار مروان من حمص وأتى دمشق، ثم سار عن دمشق إِلى فلسطين، وكان السفاح قد كتب إِلى عمه عبد الله بن علي باتباع مروان، فسار عبد الله في أثره إلى أن وصل إلى دمشق، فحاصرها ودخلها عنوة، يوم الأربعاء لخمس مضين من رمضان، سنة اثنتين وثلاثين ومائة.

ولما فتح عبد الله بن علي دمشق، أقام بها خمسة عشرة يوماً، ثم سار من دمشق حتى أتى فلسطين، فورد عليه كتاب السفاح يأمره أن يرسل أخاه، صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان، فسار صالح في ذي القعدة من هذه السنة، حتى نزل نيل مصر، ومروان منهزم قدامه، حتى أدركه في كنيسة في بوصير من أعمال مصر، وانهزم أصحاب مروان، وطعن إِنسان مروان برمح فقتله، وسبق إِليه رجل من أهل الكوفة، كان يبيع الرمان، فاحتز رأسه، وكان قتله لثلاث بقين من ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ولما أحضر رأسه قدام صالح بن علي بن عبد الله ابن العباس، أمر أن ينفض، فانقطع لسانه، فأخذته هرة، وأرسله صالح إلى السفاح وقال:

قد فتحَ اللهُ مصراً عنوةً لكُمُ ... وأهلك الفاجرَ الجعديَ إِذ ظلما

وذاك مقوله هر يجرره ... وكان ربُكَ من ذي الكفر منتقما

ثم رجع صالح المذكور إِلى الشام، وخلف أبا عون بمصر، ولما وصل الرأس إِلى السفاح وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015