ثم اتفقوا على أن يحكّموا أول داخل من باب الحرم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل، فحكموه، فأمرهم أن يضعوا الحجر في ثوب، وأن يمسك كل قبيلة بطرف من أطرافه، وأن يرفعوه إِلى موضعه، ففعلوا ذلك، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إِلى موضعه، فوضعه بيده موضعه، ثم أتموا بناء الكعبة، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج ابن يوسف، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين رضيت قريش بحكمه خمساً وثلاثين سنة قبل مبعثه بخمس سنين.
صلى الله عليه وسلم
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، بعثه الله تعالى إِلى الأسود والأحمر، رسولاً ناسخاً بشريعته الشرائع الماضية، فكان أول ما ابتدئ به من النبوة الرؤيا الصادقة، وحبب الله تعالى إليه الخلوة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في جبل حراء من كل سنة شهراً، فلما كانت سنة مبعثه، خرج إِلى حراء في رمضان للمجاورة فيه، ومعه أهله. حتى إِذا كانت الليلة التي أكرمه الله سبحانه وتعالى فيها جاءه جبريل عليه السلام فقال له: اقرأ. قال له فما أقرأ قال: " اقرأ باسم ربك الذي خلق " العلق: 1 " إِلى قوله " علم الإِنسان ما لم يعلم " " العلق: 5 " فقرأها. ثم إِن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إِلى وسط الجبل، فسمع صوتاً من جهة السماء: يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبرائيل، فبقي واقفاً في موضعه يشاهد جبرائيل حتى انصرف جبرائيل، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى خديجة فحكى لها ما رأى، فقالت: أبشر فوالذي نفس خديجة بيده، إنفي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم انطلقت خديجة إِلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد نظر في الكتب وقرأها، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته ما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران، وإنه نبي هذه الأمة، فرجعت خديجة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة. ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، طاف بالبيت أسبوعاً، ثم انصرف إِلى منزله، ثم تواتر الوحي إِليه أولاً فأولاً، وكان أول الناس إِسلاماً خديجة، لم يتقدمها أحد، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إِلا أربع: آسية زوجة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ".
لا خلاف في أن خديجة أول من أسلم، واختلف فيمن أسلم بعدها، فذكر صاحب السيرة وكثير من أهل العلم، أن أول الناس إِسلاماً بعدها، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعمره