ثم آنسَ النُّفُوسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مما آذن به من فيض العلم، حِين تَسُودُ الأُغَيْلِمَةُ (?) الجهلاء، وتراه بَيْنَ الأغبياء، بأن الله عَزَّ وَجَلَّ قد نصر من هذه الأمة الطائفة القائمين بالحجة على أهل الجهالة والبدعة، فقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ما يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
فجعل إليهم تعالى برحمته استنباط حكم النازلات، وتأويل فقه المشكلات من مفهوم (?) النصوص، وبيان العام والخصوص، وسَوَّغَهُمْ توجيه الأقاويل المختلفة إلى السنن المعروفة, فقَالَ تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
فلا خفاء بعدُ على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان, وشهد مواقع نجوم القرآن، وتلقى من الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْم التنزيل في جماعات الرجال والنساء، وأيفاع الولدان والإماء، ومتجالات العيال، وربات الحجال، أولى بضبط الشرائع، وأحق بنقل الحقائق إلى الذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - كافة عن كافة إلى كافة, منصوص على فضل جميعها, ثم إلى عالم من أهلها فقيه المعنى .. مبشر منه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانتهاء العلم إليه، ووقفه عليه، تضرب إليه آباط الإبل, ويتكلف إليه بعيد السبل، من انقطاع العلم عن أشتات الآفاق وآحاد الشام والعراق، حيث يطلع