ذلك من البقايا ولم يمنع الزمان - أي: أن وقتهم وقت فترة والله أعلم - ذلك من تكفيرهم وعداوتهم، بل الظاهر عندنا وعند غيرنا أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان، بل قبل هذا كله أنه مكث أهل الأرض بعد آدم عشرة قرون على التوحيد، حتى حدث فيهم الغلو في الصالحين فدعوهم مع الله فكفروا، فبعث الله إليهم نوحًا - عليه السلام - يدعو إلى التوحيد.
فتأمل ما قص الله عنهم، وكذا ما ذكر الله عن هود - عليه السلام - أنه دعاهم إلى إخلاص العبادة لله لأنهم لم ينازعوه في أصل العبادة، وكذلك إبراهيم دعا قومه إلى إخلاص التوحيد وإلاَّ فقد أقروا لله بالإلهية.
وجماع الأمر أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله، وتوابع بذلك، واستمر أهلها عليه، وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد، وأبوا عن الانقياد للدين فكيف لا يحكم عليهما بأنها بلد كفر؟
ولو كانوا لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون مع مسبتهم لهم، وتخطئتهم لمن دان به، والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة؟ فهذه مسألة عامة كلية.
وأما القضايا الجزئية فنقول: قد دل القرآن والسنَّة على أن المسلم إذا حصلت منه موالاة أهل الشرك، والانقياد لهم، ارتد بذلك عن دينه.
فتأمل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 25، 26]، مع قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وأمعن النظر في قوله تعالى {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء: 140]» (?).