شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظنٌّ به ظن السوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفكر، وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبح ...

فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان الشرك من أكبر الكبائر عند الله، وأنه لا يغفر بغير التوبة منه، وأنه يوجب الخلود في النار، وأنه ليس تحريمه وقبحه بمجرَّد النهي عنه، بل يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يشرع عبادة إله غيره، كما يستحيل عليه تناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله. وكيف يظن بالمنفرد بالربوبية والإلهية والعظمة والجلال أن يأذن في مشاركته في ذلك، أو يرضى به؟ تعالى الله عزَّ وجلّ عن ذلك علوًا كبيرًا، انتهى ما نقلته.

فقف وتأمَّل كلام الشيخ رحمه الله، فإنه فصَّل وبيَّن أنَّ الشرك شركان: شرك تعطيل لذات الرب ولأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته. وذكر أنَّ هذا أيضًا تعطيل لمعاملته على العبد من حقيقة التوحيد -، ثم ذكر شرك أهل الوحدة، وشرك الملاحدة القائلين بقدم العالم، وشرك الجهمية والقرامطة.

ثم ذكر النوع الثاني: وهو شرك من أشرك في العبادة والمعاملة، كشرك النصارى، وشرك المجوس، وشرك القدرية، وشرك الذي حاجَّ إبراهيم في ربه، وشرك من يشرك بالكواكب العلويات، ويجعلها أربًابًا مدبرة، وشرك عباد الشمس، وعباد النار وغيرهم.

قلت: ومنه شرك غلاة عبَّاد القبور الذين يزعمون أنَّ أرواح الموتى تدبِّر شيئًا من أمر هذا العالم كما صرَّح به ابن جرجيس قاتله الله» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015