فإن قيل: دليل قبول قوله عنده مجرد اعتلال الباقية المسقط ليمينه عنده هو أخص من ذلك، وهو فسادها واسودادها.
قُلتُ: تعليله ثبوت يمينه باحتمال غلطه فيما أراه لألمه حاصل بالسوية في مطلق المعتلة، والأخص منها بما ذكره من فسادها وسوادها.
الصقلي عن سحنون: معنى قول غيره الحجام مدع أنه في الأجر، وكل منهما مدع على صاحبه يتحالفان، ويكون للحجام أجر مثله ما لم يجاوز المسمى يمينه ترفع عداءه، وتوجب له التسمية، ويمين الآخر تسقط عنه ما زاد على أجر المثل من التسمية، فإن لم تزد عليه فلا يمين عليه إلا أن ينكل الحجام عن اليمين فيحلف الآخر، ويسقط عنه الأجر، وقاله بعض شيوخنا.
ابن شاس: إن اختلف الصانع ورب الثوب في قدر الأجر؛ فالقول قول الصانع بخلاف البناء يقول هذا البناء بدينار، ويقول ربه بأقل فالقول قول بيمينه؛ لأنه حائز لذلك إلا أن يدعي ما لا يشبه والصانع حائز لعمله، وتبعه ابن الحاجب، وقبله ابن عبد السلام، وابن هارون، ولم يعزوه لأصل مشهور كالموازية ونحوها، وعادة المحققين عدم الاكتفاء بنقل المتأخر إذا لم يعزه لأصل مشهور معروف.
وما ذكره ابن شاس يقوم من قولها، وكذا الصباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفرا، وقال: بذلك أمرني ربه، وقال ربه: ما أمرتك إلا بخمسة دراهم؛ فالصباغ مصدق بيمينه إن أشبه قوله، فإن أتى بما لا يشبه فله أجر المثل، ولو قال ربه: كان لي فيه صبغ متقدم لم يصدق؛ لأنه ائتمنه حين أسلمه إليه، وهذا إذا أسلم إليه الثوب، وإن لم يسلمه، ولا تغيب عليه صدق رب الثوب.
قُلتُ: فتفرقتها بين إسلام الثوب وعدمه مثل تفرقة ابن شاس بين الصانع والبناء.
ولابن عات في الاستغناء: روى ابن نافع: إن قال البناء: بنيته بثلاثة دراهم، وقال ربه: بنصف دينار فالقول قوله؛ لأنه حائز للبناء كقبول قول الحائك لحوزه لما استعمل إلا أن يدعي ما لا يشبه.
قال ابن هارون: لو أسلم الصانع المصنوع لربه كان القول قوله، وصار كالبناء.