وقوله فى المدونة: وهذا السماع إذا كان الأول أحق بنصف الثمرة يرجع المساقى الثانى على الأول بما بقى له كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب أن يرجع عليه بقدر ما أخذ رب الحائط من الثمرة فى قيمة غلته؛ لأن الثمرة إجازة له فى عمله فلما استحق بعضها وجب أن يرجع بذلك الجزء من قيمة عمله، ويلزم على القياس هذا إن علم المساقى الثانى أن الأول على النصب أن تفسد مساقاته؛ لأنه دخل على أن له بعمله نصف الثمرة وقيمة ربع عمله، وذلك لا يجوز، وحمل بعض أهل النظر قوله على ظاهره أنه يرجع عليه بمثل سدس الثمرة وأن المساقاة لا تجوز؛ لأنه ساقاه على نصف ثمرة الحائط، وعلى مثل سدس يدفعها له من حائط آخر.
قلت: ما أشار إليه من التعقب فى قوله كلام على غير تحصيل سبقه به التونسى هنا.
وقال اللخمى فى ترجمة العامل: يشارك بالقراض لو أخذ حائطا مساقاة على النصف ثم دفعه لغيره على الثلث فالسدس للعامل الأول، وإن أخذه الثانى على الثلثين له لم يجز، فإن فات بالعمل فاختلف بماذا يرجع العامل الثانى، فظاهر المدونة أنه يرجع على من دفعه إليه بسدس الثمرة لما فى المساقاة من التوسعة من الغرر وغيره بخلاف البيع، فأشبه كونها صداقا وكتابة، وقياس البيع رجوعه بربع الإجارة كمن اشترى ثمرة فعمل فاستحق بعضها يرجع بقيمة ما ينوبها وهو ربع الإجارة، ولو كانت المساقاة على غير العامل وأخذه على النصف ودفعه على الثلث كان لرب الحائط الثلثان، ولا شاء للعامل كالقراض.
قلت: كذا وجدته فى غير نسخة وهو مشكل؛ لأن حكم المساقاة أن العمل فى ذمة العامل، فشرط كونه فى ذمته يوجب الفساد، فإن جعل تصرفه فى الحائط بإعطائه مساقاة لغيره فوتا وجب له مساقاة مثله أو أجر مثله، فكان ذلك كالجزء الواجب له بالحكم، وإن جعل تصرفه لغوا كان عقده مساقاة غيره كعقد فضولى، فيخير ربه فى إمضائه ورده، فيكون للعامل الثانى أجر مثله.
وفيها: إن عجز العامل وقد حل بيع الثمرة لو يجز أن يساقى غيره، واستأجر من يعمل ولو ببيع حظه، وما فضل من ثمنه له، وما نقص فعليه إلا أن يرضى رب الحائط