صوابه، وتعسفه تعسفا يفتح باب الإلحاد؛ لأنه حينئذ صرف اللفظ عن ظاهره الجلي لا لدليل ولا عصمة من قاله من الوهم، وقد يكون موجب ما قاله ابن عبد السلام اعتقاده أن لا موجب لما زعمه من استشكال ابن الحاجب غير ما ذكره، وليس كذلك لإمكان تقرير استشكاله بأن يقال قوله في المدونة في وضعها الثاني لستة أشهر هما بطنان إن أقر بالأول ونفى الثاني، وقال لم أطأها بعد وضع الأول لاعن للثاني، ولم يقل يسأل النساء هنا ولقوله في الثانية يسألن؛ لأن وضع الثاني للستة إن لم يستقل في دلالته مع قوله: لم أطأها بعد وضع الأول على قطعه عن الأول دون سؤالهن كما في الأولى لزم في الثانية فيحد، وإلا سئلن في الأولى، فإن قلن يتأخر حد، كما لو وضعتهما لأقل من ستة أشهر، ويجاب باستقلاله حيث لا يعارض أصلا، ولا يستقل حيث يعارضه، وهو في الثانية يعارض أصل درء الحد بالشبهة بخلاف الأولى، وقولها: (بخلاف من لم يبن إلخ ..) معناه أنه في هذه يحد من غير سؤال النساء عن التأخر، ووجهه واضح إذ لم يتقدم للزوج فيها وطء بحيث يحتمل كون الولد الذي أقر به منه فاتضح منه في الولد نفيه وإقراره به، ومسألة الولدين تقدم من الزوج وطء هو الذي كان عنه الأول فعرض احتمال كون الولد الثاني منه إن صح تأخر الوضع ستة أشهر، فلم يكن قوله ما وطئتها بعد وضع الأول نفيا له فيحد بإقراره به.
وقول ابن عبد السلام: يصعب أيضًا وجه المخالفة بين هذا الفرع والذي قبله، ألا ترى أن هذا وإن حقق نفي الولد فالأول يشاركه في ذلك إذا قال: النساء يتأخر عن الولد الذي لاعن فيه مع أنه ألزمه له وحده وهما من حمل واحد.
قلت: قوله: (يصعب وجه المخالفة) يرد بما قررناه من وضوح وجه المخالفة، وقوله: (فالأول شاركه) إلى قوله: (لاعن فيه) نص في أن مسألة المدونة عنده أنه نفى الأول، ولاعن فيه لا أن نفيه بلعانه مسألة أتى بها من عند نفسه، وهو وهم حسبما مر، وقوله: (مع أنه ألزم له وحده وهما من حمل واحد) غلط واضح؛ لأنه نص فيها أنهما إذا كانا من حمل واحد يقول النساء يتأخر أنه لا يحد ويلحقاه معا به، والعجب أنه ذكر لفظ التهذيب على نحو ما قلناه، وجزم بنقيضه جزما بنى عليه استشكاله قول مالك فتأمل هذا، واستحضر قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) [الكهف:29].