وتعظيمهم الرؤساء علمت أن بين دينهم وبين الزندقة نسبا، وأنهم يحنون إلى ذلك المذهب.
والعجب أن كل جاثليق لا ينكح، ولا يطلب الولد. وكذلك كل مطران، وكل أسقف. وكذلك كل أصحاب الصوامع من اليعقوبية، والمقيمين في الديارات والبيوت من النسطورية. وكل راهب في الأرض وراهبة، مع كثرة الرهبان والرواهب، ومع تشبه أكثر القسيسين بهم في ذلك، ومع ما فيهم من كثرة الغزاة، وما يكون فيهم مما يكون في الناس، من المرأة العاقر، والرجل العقيم. على أن من تزوج منهم امرأة لم يقدر على الاستبدال بها، ولا على أن يتزوج أخرى معها، ولا على التسري عليها. وهم مع هذا قد طبقوا الأرض، وملئوا الأفاق، وغلبوا الأمم بالعدد، وبكثرة الولد. وذلك مما زاد في مصائبنا، وعظمت به محنتنا. ومما زاد فيهم، وأنمى عددهم، أنهم يأخذون من سائر الأمم، ولا يعطونهم، لأن كل دين جاء بعد دين، أخذ منه الكثير، وأعطاه القليل.
ومما يدل على قلة رحمتهم وفساد قلوبهم أنهم أصحاب الخصاء من بين جميع الأمم، والخصاء أشد المثلة، وأعظم ما ركب به إنسان، ثم يفعلون ذلك بأطفال لا ذنب لهم، ولا دفع عندهم. ولا نعرف قوما يعرفون بخصاء الناس حيث ما كانوا إلا ببلاد الروم والحبشة، وهم في غيرهما قليل، وأقل قليل. على أنهم لم يتعلموا إلا منهم، ولا كان السبب في ذلك غيرهم. ثم خصوا أبناءهم وأسلموهم في بيعهم. وليس الخصاء إلا في دين الصابئين، فإن العابد ربما خصى نفسه، ولا يستحل خصاء ابنه. فلو تمت إرادتهم في خصاء أولادهم في ترك النكاح وطلب النسل كما حكيت لك قبل هذا لانقطع النسل، وذهب الدين، وفتن الخلق.