وإنما اختلفت أحوال اليهود والنصارى في ذلك لأن اليهود ترى أن النظر في الفلسفة كفر، والكلام في الدين بدعة، وأنه مجلبة لكل شبهة، وأنه لا علم إلا ما كان في التوراة وكتب الأنبياء، وأن الإيمان بالطب وتصديق المنجمين من أسباب الزندقة والخروج إلى الدهرية، والخلاف على الأسلاف وأهل القدوة، حتى إنهم ليبهرجون المشهور بذلك، ويحرمون كلام من سلك سبيل أولئك.

ولو علمت العوام أن النصارى والروم ليست لهم حكمة ولا بيان، ولا بعد روية، إلا حكمة الكف، من الخرط والنجر والتصوير، وحياكة البزيون، لأخرجتهم من حدود الأدباء، ولمحتهم من ديوان الفلاسفة والحكماء؛ لأن كتاب المنطق والكون والفساد، وكتاب العلوي، وغير ذلك، لأرسطاطاليس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب المجسطي لبطليموس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب إقليدس لإقليدس، وليس برومي ولا نصراني. وكتاب الطب لجالينوس، ولم يكن روميا ولا نصرانيا. وكذلك كتب ديمقراط وبقراط وأفلاطون، وفلان وفلان. وهؤلاء ناس من أمة قد بادوا وبقيت آثار عقولهم، وهم اليونانيون، ودينهم غير دينهم، وأدبهم غير أدبهم. أولئك علماء، وهؤلاء صناع أخذوا كتبهم لقرب الجوار، وتداني الدار، فمنها ما أضافوه إلى أنفسهم، ومنها ما حولوه إلى ملتهم. إلا ما كان من مشهور كتبهم، ومعروف حكمهم، فإنهم حين لم يقدروا على تغيير أسمائها زعموا أن اليونانيين قبيل من قبائل الروم، ففخروا بأديانهم على اليهود،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015