سفراً إن كان لا يتحقق إحراماً، وإنما يتحقق الوصل سفراً إذا كان السفر واحداً، وإنما يتخذ السفر إذا لم يلم بأهله فيما بينهما إلماماً صحيحاً حتى لا ينتهي حكم السفر الأول، وعن هذا قلنا: إنه لا يمنع لأهل مكة وأهل المواقيت ومن دونها إلى مكة، أما أهل مكة؛ فلأن من شرط المتمتع أن لا يلم بأهله فيما بين عمرته وحجته إلماماً صحيحاً، وذلك لا يتصور في حق أهل مكة؛ لأنه كلما فرغ من العمرة، فقد حصل ملماً بأهله إلماماً صحيحاً، وأما أهل المواقيت ومن دونها إلى مكة؛ فلأنهم ألحقوا بأهل مكة، ولهذا جاز لهم دخول مكة بغير إحرام، فألحقوا بهم في حق هذا الحكم أيضاً.
ويفسر الإلمام الصحيح أن يرجع إلى أهله، ولا يكون العود إلى مكة مستحقاً عليه، والعمرة للجمع بين أفعال العمرة وبين إحرام الحج في أشهر الحج لا للجمع بين إحرامين.
ثم المتمتع نوعان:
متمتع ساق الهدي مع نفسه، ومتمتع لم يسق الهدي مع نفسه. فالذي لم يسق الهدي، أو فرغ من أعمال العمرة يتحلل بالحلق، والذي ساق الهدي مع نفسه لا يتحلل بالحلق، وإن فرغ من أفعال العمرة؛ لأن للسوق أثراً في ابتداء الإحرام، فيكون له أثر في استدامته من الطريق الأولى، وعلى المتمتع دم إذا وجد ذلك، قال الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (البقرة: 196) سئل رسول الله عليه السلام عن ذلك فقال: «أدناه شاة» .
وإنه دم شكر حتى جاز للغني التناول منه، وإن لم يجد (180أ1) فصيام ثلاثة أيام في الحج أي في وقت الحج، حتى لو صام بعدما أحرم بالعمرة في أشهر الحج جاز عندنا خلافاً للشافعي، والأفضل له أن يصوم ما قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة؛ لأن الصوم بدل عن الهدي، وكان الأفضل له أن يؤخر الصوم إلى آخر الوقت الذي يفوته الصوم بمضي ذلك الوقت، وهذه الأيام الصوم، فإن مضت يعني هذه الأيام ولم يصم سقط الصوم، وعاد إلى الهدي عندنا، فإن لم يقدر على الهدي كان عليه دمان دم التمتع ودم التحلل قبل الهدي، وإنما سقط الصوم، وعاد حكم الهدي باعتبار أن كون الصوم بدلاً عن الهدي عرف عن الكتاب، والكتاب وقت كونه بدلاً بهذه الأيام. فإن المراد من قوله: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (البقرة: 196) في وقت الحج، فبعد فوات هذه الأيام يظهر حكم الأصل، وبنحوه ورد الأثر عن عمر وابن عباس.f
وأما صوم السبعة، فيجوز إذا فرغ من أفعال الحج وإن لم ينصرف إلى أهله، ولا يجوز قبل أفعال الحج؛ لأن صوم السبعة معلق بالرجوع بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (البقرة: 196) إلا أنا أقمنا سبب الرجوع، وهو الفراغ من أعمال الحج مقام الرجوع، فبقي ما وراءه على أصل التعليق.
ولو قدر على الهدي في خلال الصوم الثلاث أو بعدها قبل يوم النحر لزمه الهدي، وسقط حكمه؛ لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل؛ لأن المقصود هو التحلل، ولم يحصل فسقط حكم البدل، كالمقيم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة، ولو وجد الهدي بعدما حلق قبل أن يصوم السبعة، فلا هدي عليه؛ لأن المقصود قد حصل بالحلق، وهو التحلل فيسقط حكم البدل.
وفي «المنتقى» : رواية البشر عن أبي يوسف: إذا صام المتمتع ثلاثة أيام، ثم وجد هدياً قبل أن يحل انتقض صومه، وإن وجد الهدي بعدما حل جاز صومه، ولا هدي عليه.
قال محمد رحمه الله في «الجامع الصغير» : كوفي قدم بعمرة في أشهر الحج، ففرغ منها، وحلق أو قصر، ثم أخذ مكة والبصرة داراً، ثم حج من عامه، فهو متمتع.
اعلم أن هذه المسألة على أربعة أوجه:
الأول: إذا أقام بمكة بعدما فرغ من العمرة وحلق، ثم حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه متمتع لما ذكرنا من صورة المتمتع.
الوجه الثاني: إذا خرج من مكة، ولكن لم يجاوز الميقات حتى حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه هو متمتع أيضاً؛ لأن لداخل الميقات حكمه جوف مكة، فكأنه لم يخرج من مكة.
الوجه الثالث: إذا خرج من المواقيت وعاد إلى أهله، ثم حج من عامه ذلك، وفي هذا الوجه ليس بمتمتع؛ لأنه ألم بأهله بين العمرة وبين الحج إلماماً صحيحاً؛ لأن العود إلى مكة غير مستحق عليه، فإن رجع إلى أهله بعدما حصل له التحلل بالحلق، حتى إن هذا الكوفي لو ساق مع نفسه هدياً، والباقي بحاله كان متمتعاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله؛ لأن الإلمام بأهله غير صحيح؛ لأن سوق الهدي يديم الإحرام، ولا يقع التحلل بالحلق، ولو أدام الإحرام كان العود مستحقاً لأجل الإحرام، فلا يصح الإلمام.