ليس بطيب حقيقة، لكن ألحق بالطيب من حيث إنه أصل الطيب؛ إذا استعمل استعمال الطيب بخلاف الكافور والمسك والزعفران؛ لأنه طيب حقيقة، فكيف ما استعمله يجب الدم به. ولو ادهن بشحم أو سمن، فلا شيء عليه؛ لأنه مأكول وليس بطيب، ولا أصل للطيب، ولو وجب الجزاء هنا لوجب باستعمال الطيب، ولو غسل رأسه ولحيته بالخطمي، فعليه الدم عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما عليه الصدقة.
وفي «المنتقى» هشام عن محمد رحمه الله: إذا غسل المحرم يده بأشنان فيه طيب، فإن كان إذا نظروا إليه قالوا: هذا أشنان ففيه الصدقة، وإن قالوا: هو طيب فعليه الدم. وعنه أيضاً: لا بأس أن يأكل المحرم الزيت ودهن الشح، وأن يقطر في أذنه الزيت قال: لأن هذا طعام وطيب يعني الزيت طعام وطيب من حيث إنه أصل الطيب، فإذا لم يستعمله على وجه الطيب لا يظهر حكم الطيب بخلاف البنفسج، وأمثاله؛ لأنه طيب بنفسه.
أما حكم الصيد فنقول: قتل صيد الحرم حرام إلا ما استثناه رسول الله عليه السلام في قوله «خمس من الفواسق» ، هذا لأن الصيد يستفيد الأمن بسبب الحرم قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءامِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (العنكبوت: 67) وأثر ثبوت الأمن حرمة التعرض.
وقال عليه السلام في الحديث المعروف «ولا ينفر صيدها» وفي القتل تنفير الصيد، فيكون حراماً، فإن قتله حلال، فعليه جزاؤه؛ لأنه أتلف محلاً أمناً ويجوز فيه الإطعام، فإذا أراد القاتل إخراج الطعام عن قيمته قوَّمه، ثم أخرج إلى كل فقير نصف صاع من حنطة أو صاعاً من شعير، ولا يجوز الصوم عندنا، وهو مذهب عثمان رضي الله عنه؛ لأن ضمان صيد الحرم بدل محض؛ لأنه وجب باعتبار وصف في المحل، وهو الأمن الثابت للصيد بسبب الحرم وصار الأمن الثابت للصيد بسبب الحرم بمنزلة ملك الآدمي في المحل، ولا مدخل للصيام في إبدال المحل؛ لأن بدل المحل يجب أن يكون مثلاً، ولا مماثلة بين الصوم والمال بخلاف ما يجب على المحرم؛ لأن جزء العادة فيه معنى البدلية، والصوم إن لم يصلح بدلاً يصلح كفارة، وأما الهدي فقد ذكر القدوري أن فيه روايتين: في رواية لا يجوز، وفي رواية يجوز.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن في ظاهر رواية أصحابنا يجوز، وفي غير رواية «الأصول» لا يجوز، فعلى ظاهر الرواية كما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، وعلى إحدى الروايتين كما ذكره القدوري، سوى بينه وبين المحرم في حق الهدي، فيجوز الهدي