ولهذا تؤقت حرمته بحرمة الصوم وهو النهار وبالأكل ناسياً لا يفسد الصوم، فلا يفسد الاعتكاف بخلاف الجماع؛ لأن الجماع من محظورات الاعتكاف، قال الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} (البقرة: 187) فيستوي فيه العامد والناسي كما في الإحرام.
نوع منه
يجب أن يعلم بأن النذر بالاعتكاف صحيح.
أما على قول من يقول بأن الشرط صحة النذر أن يكون المنذور به عبادة لا أن يكون لله تعالى من جنسه إيجاب، فظاهر؛ لأن الاعتكاف عبادة مقصودة بنفسه؛ لأنه لبث وقرار في المسجد، وانتظار للصلاة في مكان الصلاة،
وأما على قول من يقول بأن شرط صحة النذر كون المنذور به عبادة، وأن يكون لله تعالى من جنسه إيجاب؛ فلأن للاعتكاف شبهاً بالصلاة من حيث إنه لبث وقرار في مكان الصلاة لانتظار الصلاة، والمنتظر للصلاة كأنه في الصلاة إيجاب، أو يقول: النذر بالاعتكاف نذر بالصوم؛ لأن الصوم شرط لصحة الاعتكاف الواجب، والتزام الشيء التزام لشرائطه، ولله تعالى من جنس الصوم إيجاب.
إذا قال: لله عليّ أن أعتكف شهراً، فهذه المسألة على وجهين:
إن نوى شهراً، فهو كما نوى.
وإن لم ينوِ شهراً بعينه، فله أن يعتكف أي شهر شاء، ولا يتعين الشهر الذي يليه، وهو نظير ما لو قال: لله عليّ أن أصوم شهراً، ولم ينوِ شهراً بعينه كان له أن يصوم في أي شهر شاء، وإن بين مسألة الاعتكاف، وبين مسألة الصوم فرقان.
مسألة الاعتكاف إذا عين شهراً، وشرع في الاعتكاف يجب التتابع نص على التتابع أو لم ينص، وفي مسألة الصوم لا يجب التتابع إلا إذا نص على التتابع، وإن قال: نويت أن أعتكف بالنهار دون الليل لم تصح نيته لا قضاء، ولا فيما بينه وبين الله.
إذا أصبح الرجل صائماً متطوعاً، ثم قال في بعض النهار: لله تعالى عليّ أن أعتكف هذا اليوم، فلا اعتكاف عليه في قياس قول أبي حنيفة؛ لأن الاعتكاف الواجب لا يصح إلا بالصوم، فلو وجب الاعتكاف وجب الصوم، والصوم في أول اليوم انعقد تطوعاً، فلا يمكن جعله واجباً بعد ذلك،
وقال أبو يوسف: إن قال ذلك بعد الزوال، فلا اعتكاف، وإن كان قبل الزوال، فعليه الاعتكاف، وكذلك قال أبو يوسف في رجل أصبح مفطراً، ثم قال: لله عليّ أن أعتكف هذا اليوم وكان ذلك قبل انتصاف النهار فإنه يلزمه ويعتكفه بصومه وإن لم يفعل، فعليه القضاء، ولو نذر اعتكاف ليلة لا يلزمه شيء، وإن نوى اليوم معها لم تصح نيته، وعن أبي يوسف أنه يلزمه، ويصير تقدير المسألة كأنه قال: لله عليّ أن أعتكف ليلة بيومها، ولو نذر اعتكاف يومين أو ليلتين أو أكثر من ذلك صح نذره، ودخل فيه الأيام والليالي.