البحر كالعنبر واللؤلؤ، فلا خمس فيه ليس بغنيمة؛ لأن الغنيمة ما كان في أيدي الكفرة، ثم صار في أيدينا بحكم القهر والغلبة، وباطن البحر لا يرد عليه يد أحد، ولا قهر أحد، فلم يكن غنيمة، وفي كل موضع وجب الخمس لو دفع الواجد الخمس بنفسه إلى الفقراء، ولم يدفعه إلى السلطان لا يأخذ منه السلطان (156ب1) ثانياً بخلاف زكاة السوائم، ولو دفع الواجد الخمس إلى والديه، أو إلى والده، وهم فقراء يجوز بخلاف الزكاة والكفارات وصدقة الفطر، ويجوز له أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان أربعة الأخماس لا يكفيه لحديث علي رضي الله عنه.
قال محمد رحمه الله: في آخر كتاب الزكاة من «الأصل» فصل في بيان بيوت الأموال: يجب أن تكون بيت الأموال أربعة:
أحدها: بيت مال الزكاة والعشور والكفارات إذا وصلت إلى يد الإمام.
والثاني: بيت مال الخراج والجزية التي نقلت، وما يأخذه العاشر من الكفرة.
والثالث: فصل في بيان بيوت الأموال: بيت مال الخمس يعني خمس الغنائم والمعادن والركاز والكنوز.
والرابع: بيت مال اللقطات والتركات، وإنما وجب أن يكون بيوت المال أربعة أما بيت مال الزكاة والخراج والخمس؛ فلأن بكل مال منها حكم يختص به لا يشاركه مال آخر فيه، فمتى جعل الكل في بيت واحد، وخلطه لا يمكنه إقامة حكم كل مال، وأما بيت مال اللقطات والتركات؛ لأنه ربما يظهر لها مستحق بعينها، فلو خلطها بغيرها لا يمكنه ردها بعينها على مستحقها، فيجعل بيوت المال أربعة لهذا.
بيان ذلك: إن مال الزكاة، وعشور الأراضي مصروفة إلى المذكور في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} (التوبة: 60) إلا أنه لا يجوز صرفها إلى المقاتلة، ولا إلى فقراء بني هاشم، وقال: الخراج والجزية تصرف إلى المقاتلة، وإلى سد ثغور المسلمين، وبناء الحصون في الثغور، وإلى مراصد الطريق في دار الإسلام ليقع الأمن عن قطع الطريق من جهة اللصوص، وإلى كري الأنهار العظام الذي فيه صلاح المسلمين، وإلى من فرغ نفسه لعمل المسلمين نحو القضاة والمحتسب والمفتين والمؤذنين والمعلمين، وإلى عمارة المساجد والقناطر، وإلى معالجة المرضى إذا كانوا فقراء، وإلى تكفين الموتى الذين لا مال لهم، وإلى نفقة اللقيط وعقل حياته، وما أشبه ذلك.
والحاصل: أن هذا النوع يصرف إلى ما فيه صلاح الدين، وصلاح دار الإسلام والمسلمين، ومال الخمس يصرف إلى فقراء المسلمين الهاشمي وغيره سواء، اللقطات والتركات تصرف إلى ما فيه صلاح المسلمين كمال الخراج والجزية، إلا أنه يجعل لها بيت على حدة، لما ذكرنا أنه ربما يظهر لها مستحق بعينها.
ولو كان في بعض بيوت هذه الأمور مال، ولم يكن في البعض مال، فللإمام أن يصرف مال ذلك البيت إلى هذا البيت عند الحاجة حتى إذا لم يكن في بيت مال الخراج مال، وفي بيت مال الصدقة مال، فالإمام يأخذ بيت مال الصدقة، ويصرفه إلى المقاتلة،