وجه رواية كتاب العشر ما روي أن رسول الله عليه السلام «أمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب» ، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا أدع فيها إلا مسلماً» ، قال: فأخرجهم عمر رضي الله عنه، وعن علي رضي الله عنه «أنه أجلاهم من الكوفة» ، والمعنى في ذلك أنهم، لا يمكنوا من شري الدور، لا يشتري كل واحد منهم دوراً، أو منازل، فيؤدي إلى أن يصير جميع المصر لهم، ويخرج من أن يكون دار الإسلام، وإنه لا يجوز.
وجه ما ذكر في عامة الروايات قول ابن عباس رضي الله عنهما، «وما كان قبل ذلك، فحق على المسلمين أن يوفوا لهم» وسكناهم في الأمصار كان قبل ذلك، فيوفي لهم بترك ذلك عليهم، وعن عمر رضي الله عنه أنه فتح بيت المقدس قهراً، وترك أهل الذمة فيها، وخالد بن الوليد فتح مدينة وترك أهل الذمة فيها، وفتح أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان أرض الشام عنوة وقهراً، وتركوا أهل الذمة فيها، ولأنا أجمعنا على أنهم يتركون المقام في القرى من أرض العجم، وإنما يتركون، ليسمعوا كلام الله تعالى، فيقفون على مجلس الإسلام، وليروا عزة الإسلام، وعزة أهله، وربما يميل قلبهم إلى الإسلام، وهذا المعنى يقتضي تركهم في الأمصار من الطريق الأولى؛ لأن هذه الفائدة في الأمصار، أتم وأكمل، وما روي من الأخبار سوى خبر علي رضي الله عنه، فوجه الجواب عن التمسك بها أنها وردت في الأرض العرب.
ونحن نقول: أنهم لا يمكنون من المقام في أرض العرب، والنص الوارد بخلاف القياس في أرض العرب لا يكون وارداً في سائر الأمصار؛ لأن أرض العرب لها زيادة حرمة لمكان رسول الله عليه السلام فيهم ليست تلك الحرمة بسائر الأمصار، فالنص الوارد ثمة لا يكون وارداً هنا، وأما خبر علي رضي الله عنه، فهو محمول عندنا على أنه إنما أجلاهم من الكوفة، لمصلحة رأى في ذلك بأن عرف أنهم يقصدون بذلك أن يتملكوا جميع الكوفة، فتصير الدار لهم، ولا كلام فيما ينقله الإمام على سبيل المصلحة، فإنا نقول به.
فصل في تبين خراج الروس والأراضي
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : إذا أراد أن يصالح أهل دار من ديار الحرب كل سنة على دراهم معلومة، وعلى كيل من الطعام معلوم، أو على عدد من الثياب معلومة عن أراضيهم وجماجمهم، فهو جائز، فقد صح «أن رسول الله عليه السلام صالح أهل الحرب، وهم نصارى كل سنة على ألف ومئتي حلة من حللهم يؤدون النصف في المحرم والنصف في رجب» ، وله الخيار إن شاء جمع بين الرقاب والأراضي فجعلها خراجاً