وذكر في مسائل الزكاة أن المصدق، إذا جاء قبل أن يتفرقا عن مجلس العقد يتخير: إن شاء أتبع البائع، وإن شاء أتبع المشتري، وإن جاء بعدما تفرقا عن مجلس العقد، ففيه قياس واستحسان، فمن مشايخنا من قال: ذكر القياس والاستحسان عن ذكره ههنا، ومنهم من قال: الجواب هنا على الإطلاق، وللمصدق خيار أن يتبع المشتري على كل حال.
والفرق على قول هذا القائل بين الزكاة والعشر أن في باب العشر الحب كما نبت نبت على أن يكون العشر للفقير، وتسعة أعشاره للمالك؛ لأنه أوجب باسم العشر، وهذا الاسم ينبي عن الشركة، وأمكننا أن نجعل قدر العشر ملك الفقير قبل التسليم؛ لأن الأصل في العشر معنى المؤونة، ومعنى العبادة فيه تابع، فحصل تصرف المالك في مال الغير بغير إذنه فسد حق الفسخ على كل حال بخلاف الزكاة؛ لأن الزكاة عبادة، فلا يمكننا أن نجعل قدر الزكاة ملكاً للفقير قبل التسليم، إذ يفوت به معنى العبادة، وإنما الثابت للفقير والساعي قبل التسليم حق الأخذ، فأما الملك في قدر الزكاة فللمالك، فلاعتبار حق الأخذ للساعي أثبتنا له حق الفسخ، إذا وجده قبل التفرق عن مجلس لعقد.
وفي «المنتقى» : إذا وجب العشر في الطعام، وباعه السلطان من رب الأرض، ومن غيره من غير أن يقضيه يجوز قال: لأنه شريك فيه بالعشر، ولا يجوز ذلك في صدقة السوائم؛ لأنه ليس بشريك فيها.
وفيه أيضاً: لو مر على عاشر بمائتي درهم، فوجب له فيها خمسة دراهم، فباعها من صاحب المال بدينار، وقضى الدينار جاز، وهذا بمنزلة الصلح، ولو باعه من غيره لم يجز، ولا يشبه هذا عشر الطعام، واستشهد فقال: ألا ترى أن هذا قد يموت قبل أن يؤخذ عشرة دراهم، فلا يؤخذ، (149أ1) وإن هذا بطل بالدين يكون عليه، ولا يبطل عشر الطعام بموت صاحبه، ولا بالدين وغيره، وذكر عن محمد بعد هذا: إن عشر الطعام بمنزلة زكاة السائمة، ولا تبعية من رب الأرض، ولا من غيره حتى يقضيه وليس بشريك فيه، وكذلك قال بعد هذا في عشر مائتي درهم إذا باعه منه بدينار أنه لا يجوز.
وإن قال: خذ هذا الدينار من الخمسة التي يكون فيه حبيبه علي فهو جائز، وكذلك لو أخذ منه مكان عشر الطعام على غير بيع، فهو جائز، وإذا عجل عشر الأرض، أو عجل عشر الثمار، فقد ذكرنا هذه الفصول بتمامها في فصل تعجيل الزكاة، وإذا ترك السلطان عشر الأرض لرب الأرض لا يجزئه بلا خلاف في زكاة العيون.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : من عليه العشر إذا صرف العشر إلى نفسه لا يجوز، ولا يبرأ عن العشر فيما بينه، وبين الله تعالى، ومن عليه الخمس، إذا صرف الخمس إلى نفسه، وكان فقيراً يجوز، ويخرج عن عهدة الخمس فيما بينه وبين الله تعالى، وكذلك إذا صرف من عليه العشر العشر إلى أبيه، أو ابنه، فإنه لا يجوز؛ لأن صرفه إلى هؤلاء كالصرف إلى نفسه.