الفصل الأول في بيان ما يجب فيه العشر وما لا يجب

يجب أن يعلم بأن الأصل في وجوب العشر قول الله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} (البقرة: 267) قال أهل التفسير: المراد من قوله: {من طيبات ما كسبتم} زكاة مال التجارة، والمراد من قوله: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} العشر، وقوله تعالى: {وآتو حقه يوم حصاده} (الأنعام: 141) والمراد من الحق المذكور في الآية العشر، وقوله عليه السلام: «ما سقته السماء ففيه العشر، وما سقي بقرب دالية، أو ساقية ففيه نصف العشر» .

قال أبو حنيفة رحمه الله: كل شيء أخرجته الأرض مما تستنمي به الأرض فيه العشر إلا الحطب، والقصب، والحشيش، والتبن، والسعف.

وقال أبو يوسف، ومحمد: وكل شيء له ثمرة باقية، وتكون منفعته عامة، ويكون مقصوداً في نفسه يجب فيه العشر، وما كان يخالفه لا يجب فيه العشر، حتى إن عندهما لا يجب العشر في الخضر، وعند أبي حنيفة يجب، وقولهما: في ماله ثمرة باقية تدخر في الغالب، وتبقى سنة أو أكثر نحو الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب وأشباهها حجتهما في ذلك قوله عليه السلام، «ليس في الخضروات صدقة» ، ولأبي حنيفة رحمه الله العمومات التي مر ذكرها، وإن سبب وجوب العشر الأرض النامية بالخارج والاشتباه بالرطب أكثر من الاشتباه بالحنطة والشعير، ولهذا كان وظيفة الخراج في أراضي الرطاب أكثر، وما روينا من الحديث، فتأويله ليس فيها صدقة توجد.

ونحن هكذا نقول: أن الساعي لا يأخذ العشر من الرطاب التي مر بها، والمستثنى عند أبي حنيفة: الأشياء الخمسة الحطب والحشيش، فلأن سبب وجوب العشر الأرض النامية بالخارج والأراضي لا تستنمي بهذه الأشياء، ولا تقصد بالزراعة بل الاستنماء يفوت بهذه الأشياء، وأما القصب فالمراد منه القصب الفارسي؛ لأن الأراضي به لا تستنمي عادة، فأما قصب السكر، وقصب الذريرة، ففيهما العشر؛ لأن الأراضي تستنمي بهما عادة.

قال محمد في «الأصل» : قصب السكر بمنزلة التمر، وقصب الذريرة بمنزلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015