مال يشترط لوجوب أصل الزكاة، ذلك مقرر بالمائتين، فكذا ههنا ما لم تثبت هذه اليد ابتداءً على المائتين لا يجب الأداء، وروي عن الحسن عن أبي حنيفة: أنه ينوي حينما وجب بدلاً عما هو مال التجارة، وهنا وجب بدلاً عن مال ليس هو مال التجارة، وقال: إذا قبض منها أربعين درهماً يجب عليه الأداء بقدر ما قبض.
هذا كله قول أبي حنيفة.
فأما على قولهما: فالديون كلها سواء، وهي نصاب تجب فيها الزكاة قبل القبض، إذا حال عليها الحول، ولكن لا يجب الأداء قبل القبض، وإذا قبض شيئاً منه يجب الأداء بقدر ما قبض، قلنا: ما كان أو كثراً، إلا الدية وبدل الكتابة فإنهما ليسا بسبب حتى يقبض، ويحول الحول عليه.
ووجه ذلك: أن الديون كلها سواء في حكم المالية من حيث إن المطالبة بها متوجهة، وتعتبر حالاً حقيقة بالقبض، فكانت سواء في حق حكم الزكاة، وهذا لأن الغائب ليس إلا اليد، وتأثير انعدام اليد في امتناع أصل الوجوب، كما في ابن السبيل بخلاف، ومن الكفاية لأن ذلك ليس دين على الحقيقة؛ لأن المكاتب عبد والمولى لا يستوجب على عبده ديناً، ولهذا لا تصح به الكفالة، أما ههنا بخلافه، وبخلاف الدية؛ لأنها صلة تجب لدفع الوحشة عن أولياء القتيل، وإطفاء ثائرة القتل، ولهذا وجب على غير القاتل، فكانت من باب الصلة، والصلات لا تتم قبل القبض.
وفي كتاب «الأجناس» : جعل مسألة المهر على وجهين، فقال: إن تزوجها على إبل تعتبر أعيانها، ثم قبض خمساً من الإبل بعد الحول، فلا زكاة عليها في قولهم ما لم يحل عليه الحول بعد القبض، وإن تزوجها على إبل بعينها، فكذلك عند أبي حنيفة للزكاة حتى يحول عليها الحول بعد القبض، قال: وكذلك إذا كان المهر مئتي درهم، فهو على هذا الخلاف، هذا كله لفظ كتاب «الأجناس» للناطفي رحمه الله، وستأتي مسألة المهر في آخر هذا الفصل أيضاً.
وأما الدين الموروث، فالجواب فيه في حق الوارث عندهما كالجواب في حق المورث على التفاصيل التي مرت؛ لأن الوارث خلفه الوارث قائم مقام المورث، فيكون حكمه حكم المورث.
وأما عند أبي حنيفة: إن وجب الدين في حق المورث بدلاً عما ليس بمال، فإنه لا يكون نصاباً في حق الوارث قبل القبض، وإن وجب الدين في حق المورث بدلاً عما هو مال. ذكر أبو سليمان في «نوادر الزكاة» : أنه يعتبر حكم الوارث؛ لأن الوارث قائم مقام المورث، فتجب الزكاة فيه قبل القبض، ولا يخاطب بالأداء قبل القبض، وإذا قبض منه شيئاً إن وجب في حق (143أ1) المورث بدلاً عما هو مال التجارة، فإذا قبض أربعين درهماً يؤدي زكاته، وإن وجب في حق المورث بدلاً عن مال ليس هو للتجارة، فإذا قبض منه مائتي درهم تؤدى زكاته.
وذكر هشام في «نوادره» عن أبي حنيفة: أنه لا يكون نصاباً قبل القبض؛ لأن الوارث ملك هذا الدين بغير عوض، ولو ملكت بعوض ليس هو مال لا تكون نصاباً قبل القبض عند أبي حنيفة كالمهر، فهذا أولى.