يقال بأن المعجل يصير زكاة من حين دفعه وعند ذلك كان عيناً، لأنا نقول هذا فاسد؛ لأن المعجل لو صار زكاة من حين دفعه، تخرج الخمسة من ملك المالك من وقت التعجيل، فلا يكمل به النصاب، ولا تجب الزكاة، فيبطل المعجل ولا يصير زكاة، فتقتصر صيرورة المعجل زكاة على الحال، وعند ذلك يتأتى الإشكال.
الوجه الخامس: أن يتصدق بها العاشر على المساكين قبل تمام الحول، ثم تم الحول، وفي هذا الوجه لا يصير المعجل زكاة لانعدام الوجوب في آخر الحول، لعدم كمال النصاب؛ لأن المعجل بوصوله إلى كف الفقير خرج عن ملكه حقيقة وحكماً، ولا ضمان على الساعي؛ لأن التصدق حصل بإذن المالك.
بيانه: أن الدفع إلى الساعي والساعي يقبض للمساكين، ويحتمل أن يصرفها إلى الفقراء قبل تمام الحول إذن بالدفع، زكاة على تقدير وجوب الزكاة، بأن يستفيد خمسة أخرى قبل الحول، وإذن بالدفع تطوعاً على تقدير عدم وجوب الزكاة.
الوجه السادس: أن يأكلها الساعي صدقة بحاجة نفسه، والجواب فيه نظير الجواب في الوجه الخامس لأن التصدق به على نفسه كالتصدق على مسكين آخر.
الوجه السابع: إذا ضاعت من يد الساعي قبل تمام الحول ثم وجدها بعد تمام الحول، وفي هذا الوجه لا يصير المعجل زكاة؛ لأن تكميل النصاب بالخمسة المفقودة متعذر؛ لأنها ضمان، وإذا لم يصر المعجل زكاة كان للمالك أن يسترده من الساعي، فإن لم يسترده حتى تصدق بها العاشر لم يضمنه، هكذا ذكر في «الكتاب» بعض مشايخنا، قالوا: هذا على قولهما، أما على قول أبي حنيفة: ينبغي أن يضمن؛ لأن صاحب المال أمره بالأداء على وجه يسقط الفرض عنه، وهذا المعنى لا يمكن تحقيقه ههنا.
أصله: الوكيل بأداء الزكاة إذا أداها بعدما أدى الموكل بنفسه، وهناك الوكيل ضامن عند أبي حنيفة لما قلنا، وعندهما لا يضمن فههنا كذلك.
والمحققون من مشايخنا قالوا: لا ضمان ههنا عند الكل، وفرقوا لأبي حنيفة بين هذه المسألة، وبين مسألة الوكيل، والفرق: أن في مسألة الوكيل الفرض لازم وقت الأمر، فيتقيد بالأمر بالصرف على وجه يسقط الفرض عنه، وهذا المعنى عن الأمر، وههنا الفرض غير لازم وقت التعجيل، ويحتمل أن يكون المعجل في يد الساعي إلى آخر الحول ويحتمل أن لا يبقى، ويحتمل أن يستفيد مالاً آخر، ويحتمل أن لا يستفيد، وعلى بعض الوجوه لا يقع الصرف مسقطاً الفرض عنه، فلا يتقيد الأمر بالصرف بإسقاط الفرض عنه، وإن نهى العاشر عن التصدق في هذه الصورة ضمنها إذا تصدق بعد ذلك بلا خلاف.