وجه، والعمل بالأمرين متعذر على حال، لما بينهما من التنافي، فعملنا بهما في حالين، فقلنا: متى كان في اعتبار الربا منفعة للفقير أو احتياط لأمر العبادة نعتبر الربا كما إذا وجب للفقير على الغني خمسة دراهم نبهرجة، فأعطاه أربعة جياداً تساوي خمسة نبهرجة لا يجوز؛ لأن في اعتبار الربا منفعة للفقير، فإنه يأخذ درهماً آخر، فتعتبر الربا ويؤخذ بالاحتياط وتسقط قيمة الجودة، وإذا كان في اعتبار الربا ضرر بالفقراء تعتبر الربا، ألا ترى أن صاحب المال لو أدى المال إلى الفقير ستة دراهم زيوفاً مكان خمسة دراهم جياد يجوز، وأخذ الستة مكان الخمسة ربا كما في حقوق العباد، ثم لم يعتبر الربا؛ لأن في اعتبار الربا ضرر على الفقير، فإنه لما سلم لهم الدرهم السادس، فلم تعتبر الربا؛ لأن في اعتبار الربا ضرر على الفقير، ولم يسقط قيمة الجودة.l
إذا ثبت هذا فنقول: في مسألتنا في اعتبار الربا ضرر على الفقير؛ لأنه يفوت حقه في الجودة، ولا يصل إليه درهم آخر، ومن لم يعتبر الربا لا يفوت حقه في الجودة، فيصل إليه درهم آخر بإزاء الجودة، فلا تعتبر الربا أو الجودة في مال الربا لها قيمة، وإن قوبلت بجنسها إذا كان لا يؤدي إلى الربا.
وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا: إن الربا فيما بين الفقير والغني ممكن من وجه دون وجه، فتمكن شبهة الربا على كل حال، والشبهة تلحقه بالحقيقة في باب المحرمات احتياطاً، فمست الضرورة إلى إسقاط قيمة الجودة في مسألتنا تحرزاً عن شبهة الربا، وإذا سقط اعتبار قيمة الجودة ههنا لا يضمن صاحب المال شيئاً، وأما إذا أدى ستة دراهم مكان خمسة دراهم ناوياً عن زكاة ماله؛ إنما جاز ولم يعتبر الربا؛ لأن المعارضة من الفقير والغني لا تثبت نصاً، وإنما ثبت في ضمن نية الربا، فإن صاحب المال بنية الزكاة قصد قضاء ما عليه من الحق للفقير واستخلاص ما للفقير لنفسه.
ونية الزكاة من الغني بقدر خمسة إذا كان عليه خمسة، ولم يصح بقدر الدرهم السادس، وإذا لم تصح نية الزكاة في الدرهم السادس صار كأنه نوى أن تكون الخمسة زكاة والدرهم السادس تطوعاً، ولو نوى على هذا الوجه لا يتمكن الربا، أما ههنا نية الزكاة صحت بقدر خمسة؛ لأن عليه زكاة خمسة، وإذا صحت نية الزكاة بقدر خمسة ثبتت بين الغني والفقير معارضة باعتبار الحق إن كان لا يثبت باعتبار الملك، فيمكن شبهة الربا.
وعلى هذا إذا كان مال الزكاة مكيلاً أو موزوناً، فأعطى من جنسها (ما) هو أجود منه، وهو أقل من الواجب كيلاً، نحو أن يؤدي أربعة أقفزة حنطة جيدة عن خمسة أقفزة حنطة وسط لا يجوز إلا عن قدره من الكيل أو الوزن، فإن كان المؤدى مثل الواجب في القدر، ولكنه أردأ من الواجب سقط منه الفضل في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يؤدي الفضل.
وفي «القدوري» : رواية ابن سماعة عن أبي يوسف إذا أعطى الفضة مكان الفضة، فإن كان وزن الفضة مما دفع أقل لم يجز حتى يؤدي قدر النقصان، نحو أن يؤدي النبهرجة عن الجياد، وإن كان التفاوت لمعنى في الوصف، نحو أن يؤدي الفضة التبر عن الدراهم المضروبة، وقيمة المضروبة أكثر، إنه يجوز.
وإذا كان لرجل إبريق فضة وزنه مائتا درهم وقيمته لصياغته ثلاثمائة، أدى عنه خمسة عما عليه، فهو على الخلاف الذي بينّا، أن الجودة والصياغة في أموال الربا سواء، ألا ترى أنه لا تعتبر الصياغة في حقوق العباد فيما بين المتعاقدين كما لا تعتبر الجودة هكذا ههنا، فصار الخلاف في الصياغة نظير الخلاف في الجودة، ولو أدى عنه قدر خمسة دراهم من الذهب لا يجوز عن جميع زكاة الإبريق بالإجماع؛ لأن للجودة قيمة في أموال الربا عند معاملتها بخلاف جنسها بالإجماع.
وفي «القدوري» : إذا كان إناء فضة وزنه مائتان وقيمته ثلاثمائة، فإن زكى من عينه تصدق بربع عشره على الفقير فيشاركه فيه، وإن أدى من قيمته عدل إلى خلاف جنسه وهو الذهب عند محمد، فأما عند أبي حنيفة لو أدى خمسة من غير الإناء سقطت عنه الزكاة. وإن أدى من الذهب ما يبلغ قيمته قيمة خمسة دراهم من غير الإناء لم يجز في قولهم.
جئنا إلى بيان زكاة عروض التجارة والمسائل المتعلقة بها، فنقول: الزكاة واجبة في عروض التجارة بظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْولِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ