قسم آخريتصل بمسائل الشهيد

ذكر محمد رحمه الله في «الزيادات» : أما في الشهيد وذكر فيها مسائل كثيرة وبنى مذهب أبي حنيفة ومذهب نفسه على أصل أن من صار مقتولاً في قتال ثلاث: إما مع أهل الحرب، أو مع البغاة، أو مع قطاع الطريق لمعنى مضاف إلى العدو، وكان شهيداً سواء كان بالمباشرة، أو بالتسبب، وكل من صار مقتولاً بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيداً لأن الشهيد اسم لقتيل العدو فلا بد وأن يكون القتل مضافاً إلى العدو مباشرة وتسبباً.t

وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا صار مقتولاً في هذا القتال الثلاث كان شهيداً، وإن لم يكن قتله مضافاً إلى العدو؛ لأن الأصل في هذا الباب شهداء أُحد، وقد كان فيهم من رمت به دابته ثم عمهم رسول الله عليه السلام في حكم الشهادة.

إذا أوطأ مشرك مسلماً بدابته لا يغسل؛ لأنه قتيل العدو مباشرة، ولو وطئت دابة المشرك والمشرك راكبها إلا أنه لا يعلم به، فقتله لا يغسل؛ لأنه قتيل العدو مباشرة؛ لأن فعل الدابة يضاف إلى راكبها؛ لأنها تبع له يوقفها كيف شاء. وكذلك لو كدمته الدابة بفمها أو ضربته بيدها أو بعجته برجلها أو بذنبها لا يغسل بلا خلاف، وكان ينبغي أن يغسل عند أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله؛ لأن هذه الأفعال غير مضافة إلى راكب الدابة.

ألا ترى أن الراكب في دار الإسلام بمثل هذه الأفعال لا يضمن فلم يكن قتل ألبتة.

قلنا:...... هل هذه الأفعال مضافة إلى راكبها لما قلنا إلا أنه سقط اعتبار الإضافة شرعاً في حق الضمان في حق من يسير على الدابة، لأن الركوب في الطريق مسير مباح في الأصل فلم يصر خائناً بالركوب، والتحرز عن هذه الأسباب غير ممكن، فجعل ذلك عفواً حتى لو أوقف الدابة في طريق المسلمين يجب الضمان بمثل هذه الأفعال؛ لأن الإيقاف في الطريق غير مباح في الأصل، فيصير خائناً بالاتفاق، فما تولد منه يكون مضموناً عليه.

فأما الحربي، فهو خائن في أصل الركوب للقتال مع المسلمين فما تولد منه يكون مضموناً عليه سواء أمكنه التحرز عنه أو لا.

وإن كانت دابة المشرك منفلتة من المشرك وليس عليها أحد، ولا لها سائق أو قائد فأوطئت مسلماً في القتال، فقتلته، غسل عند أبي حنيفة، ومحمد رحمهما الله؛ لأن قتله غير مضاف إلى العدو أصلاً، وعند أبي يوسف رحمه الله لا يغسل؛ لأنه صار قتيلاً في قتال أهل الحرب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015