اتفق الفرضان، واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت، فلا يجوز خارج الوقت أما اقتداء المقيم بالمسافر جائز في الوقت، وخارج الوقت، لما روي: أن النبي عليه السلام جمع بين الظهر والعصر بعرفات، وصلى ركعتين ركعتين، فلما فرغ من صلاته قال: «يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر» .

والمعنى منه: أنه ليس في اقتداء المقيم بالمسافر الاقتداء المتنفل بالمفترض في حق القعدة من ذوات الأربع، فإن القعدة على رأس الركعتين نفل في حق المقيم فرض في حق المسافر، إلا أن اقتداء المتنفل بالمفترض جائز في جميع أفعال الصلاة، فلأن يجوز في فعل منها كان أولى، وفي حق هذا المعنى الوقت وخارج الوقت سواء.

وأما اقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت، ولا يجوز خارج الوقت؛ لأن اقتداء المسافر بالمقيم يقتضي تغير الفرض في حق المسافر، إما شرطاً لصحة الاقتداء؛ لأن الاقتداء بالإمام في بعض صلاته لا يجوز، أو لصيرورته مقيماً في حق هذه الصلاة لكونه تبعاً للإمام داخلاً في ولايته وإقامة الأصل توجب إقامة التبع، وإذا ثبت أن اقتداء المسافر بالمقيم يقتضي تغير الفرض في حق المسافر.

بعد هذا اختلفت عبارات المشايخ رحمهم الله بعضهم قالوا: إنما يصح الاقتداء في موضع كان الفرض قابلاً للتغيير، وفي الوقت الفرض للتغير حتى يتغير بنية الإقامة، فيتغير أيضاً بالاقتداء، وإذا كان فرض المسافر يتغير بالاقتداء بالمقيم في الوقت يمكن القول بصحة اقتدائه بالمقيم، فيصح الاقتداء، أما بعد خروج الوقت الفرض غير قابل للتغير، ولهذا لا يتغير بنية الإقامة، مع أنها أبلغ في التغير، فلأن لا يتغير بالاقتداء كان أولى.

وإذا كان فرض المسافر لا يتغير باقتداء المقيم خارج الوقت لا يمكن القول بصحة اقتدائه بالمقيم؛ لأنه يؤدي إلى اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة إن كان الاقتداء في الشفع الأول كما هو موضوع المسألة في «الكتاب» ، وفي حق القراءة إن كان الاقتداء في الشفع الثاني؛ لأن القراءة في الشفع الثاني نفل في حق المقيم وقد ذكرنا أن اقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز.

وبعضهم قالوا: إن سبب وجوب الصلاة جزء قائم في الوقت لا ما مضى من الأجزاء على ما عرف في موضعه، فإذا وجد المغير وهو الاقتداء بالمقيم في الوقت عمل عمله للسبب، وجعل الجزء القائم من الوقت سبباً لوجوب الأربع بعدما كان سبباً لوجوب ركعتين، وإذا عمل في السبب عمل في الحكم لكون الحكم تابعاً للسبب، فيصير في فرضه أربعاً، فيمكن القول بصحة الاقتداء، وأما بعد خروج الوقت المغير لم يعمل في السبب، فلا يعمل في الحكم، فيبقى فرضه ركعتين، فلا يمكن القول بصحة الاقتداء؛ لأنه يؤدي إلى اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو في حق القراءة على نحو ما بينا.

فإن قيل: ما ذكرتم من المعنى يشكل بما لو نسي المقيم القراءة في الشفع الأول، فاقتدى المسافر به في الشفع الثاني، وكان ذلك خارج الوقت، فإنه لا يصح اقتداؤه، وهذا اقتداء المفترض بالمفترض في حق القراءة؛ لأن القراءة فرض عليهما في هذه الحالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015