فرق بين هذا وبين السفينة، وبسفينة تجري يكفيه سجدة واحدة، وفي الدابة يلزمه بكل مرة سجدة، والفرق: هو أن سير السفينة مضاف إلى السفينة، لا إلى راكبها شرعاً وعرفاً، أما شرعاً فلقوله تعالى: {وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين} (هود: 42) الله تعالى أضاف الجري إلى السفينة، لا إلى الراكب، وأما عرفاً؛ فلأن الناس يقولون: سارت السفينة كذا كذا مرحلة، وإذا صار مضافاً إلى السفينة، فالمكان يتحد في حق الراكب، وإن اختلف في حق السفينة.
فأما سير الدابة مضاف إلى الراكب عرفاً، فإن الناس يقولون في العرف سرت كذا وكذا فرسخاً اليوم، وإذا صار السير مضافاً إلى الراكب تبدل المكان حقيقة وحكماً بعض مشايخنا قالوا؛ ما ذكر في «الكتاب» إذا قرأ آية السجدة على الدابة مراراً والدابة تسير، فإن كان في الصلاة، فعليه سجدة واحدة محمول على ما إذا قرأها مراراً في ركعة واحدة، فإن كان ذلك في ركعتين يجب أن يكون على الاختلاف الذي يذكر فيما إذا تلاها على الأرض في الصلاة في ركعتين على قول أبي يوسف رحمه الله: يكفيه سجدة واحدة، وعلى قول محمد رحمه الله: يلزمه سجدتان، ومنهم من قال: الجواب في هذه المسألة في الركعتين والركعة الواحدة سواء بالإجماع، ويكفيه سجدة واحدة بالإجماع.
والفرق لمحمد رحمه الله بين المصلي على الأرض، والمصلي على الدابة: أن المصلي على الأرض يصلي بركوع وسجود، وإنه عمل كثير يتخلل بين التلاوتين، والراكب نوى وهو عمل يسير، ولا يتحدد وجوب السجدة في الراكب على الدابة، ويتحدد في المصلي على الأرض، بهذا، وإذا سمع هذا الراكب المصلي آية السجدة من غيره مرتين وهو يسير فعليه سجدتان إذا فرغ من صلاته؛ لأن حرمة الصلاة لها تجمع الأماكن المختلفة في حق أفعال الصلاة، فأما ما ليس من أفعال الصلاة يبقى على الحقيقة، والمكان مختلف حقيقة، وسماعه ذلك الرجل قرأ راكباً ونزل فقرأ ليس من أفعال الصلاة، فلا يثبت اتحاد المكان في حقه، وإذا لم يثبت اتحاد المكان في حقه يلزمه بكل تلاوة سجدة، وإن قرأها راكباً، ثم نزل قبل أن يسير فقرأها فعليه سجدة واحدة استحساناً.b
وفي القياس: عليه سجدتان وجه القياس: وهو أن المكان اختلف حقيقة؛ لأنه كان على الدابة ... وعلى الأرض، واختلاف المكان بهذا الصدر وإن كان لا يوجب تبدل المجلس، إلا أنه وجد معه عمل آخر وهو النزول وللعمل أثر في قطع المجلس، فإذا اجتمعا أوجب تبدل المجلس، وكان يجب أن تلزمه سجدتان.
وجه الاستحسان: وهو أن النزول عمل قليل وما وجد من اختلاف المكان قليل أيضاً لو ... ولم يوجب ذلك تبدل المجلس، فكذلك مع النزول وإن كان سار ثم نزل، فعليه سجدتان؛ لأن سير الدابة كمشيه فتبدل به المجلس.