السجل، وكذلك قالوا في كتاب «القاضي إلى القاضي» لو كتب فيه: شهدوا على موافقة الدعوى لا يفتى بصحة الكتاب، ومن المشايخ من فرق بين كتاب القاضي والسجل وبين محضر الدعوى، فافتى بصحة الكتاب والسجل وبفساد محضر الدعوى؛ لأن كتاب القاضي إنما يرد من الآفاق.

فلو رددناه بهذا القدر من الخلل احتاج الذي جاء بالكتاب إلى الرجوع إلى بلده، وفيه جرح بين، والمانع من القبول موهوم وليس بقطعي؛ لأن الظاهر أن قاضي كل بلدة يعرف الموافقة بين الدعوى والشهادة، فأما محضر الدعوى في كل بلدة يكتب أهل تلك البلدة، فلو رددناه بهذا الخلل لا يؤدي إلى الحرج، وسجل القاضي إنما يكتب بعد حكمه، وحكمه محمول على الصحة، ولا صحة إلا بالموافقة فتثبت الموافقة بحكمه بخلاف المحضر ليس فيه ما يثبت الموافقة بين الدعوى والشهادة، فلا بد من بيانهما، ولأن السجل قد يرد من مصر آخر، فلو رددناه بهذا الخلل يؤدي إلى الحرج، ولا كذلك المحضر على نحو ما بينا.

والدليل على صحة الفرق بين السجل والمحضر ما ذكر في «الزيادات» : أن من ادعى أنه وارث فلان الميت ولا وارث له غيره، وأقام بينة على دعواه فالقاضي لا يقضي بوراثته ما لم يثبتوا سبب الوراثة، ولو ادعى أنه وارثه ولا وارث له غيره، وأن قاضي بلد كذا قضى بوراثته وجاء ببينة شهدوا أن قاضي بلد كذا اشهدنا على قضائه أن (250أ4) هذا وارث فلان الميت لا وارث له غيره، وقال الشهود: لا ندري بأي سبب قضى، فإن القاضي الثاني يجعله وارثاً، وطريقه ما قلنا: إن قضاء القاضي محمول على موافقة الشرع وعلى الصحة، وذلك ههنا في أن يحمل على أنه استقضاء في سبب الوراثة غاية الاستقضاء، ولم يقدم على القضاء إلا بعد العلم بالحجة بسبب وراثته كذا في مسألتنا.

وكذا قالوا في السجل: إذا كتب على وجه الإيجاز: ثبت عندي من الوجه الذي تثبت الحوادث الحكمية والنوازل الشرعية أنه لا يفتى بصحة السجل ما لم يبن الأمر على وجهه. وقال بعضهم: يفتى بصحته، قالوا: ويكتب في محضر الدعوى: شهد الشهود بكذا عقيب دعوى المدعي هذا، حتى لا يظن أن شهادتهم قبل الدعوى، وكذا يكتب والجواب بالإنكار من المدعى عليه هذا؛ لأن البينة لا تسمع على المقر إلا في مواضع معدودة ذكرها الخصاف في أدب القاضي، وعندي أن كل ذلك ليس بشرط؛ لأن في المحضر تكتب دعوى المدعي أولاً، ثم جواب المدعى عليه بالإنكار بعده، ثم شهادة شهود المدعي، فتكون شهادتهم بعد الدعوى، والجواب بالإنكار لا محالة.

وكان الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي يقول: ينبغي للمدعي أن يقول في دعواه: أين مدعى به حق منست وملك منست، ولا يكتفي فقوله: أين مدعي ملك منست، وحق من حتى لا يمكن أن يحلق به، وحق من نسى. وكذلك في جواب المدعى عليه لا يكتفي بقوله: ملك منست وحق من، وينبغي أن يقول: ملك منست وحق منست حتى لا يحلق بآخره كلمة النفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015