مكاتبة، فإن المستولد يضمن للمكاتبة في قول أبي يوسف الآخر، وكان أبو يوسف يقول أولاً: لا يضمن للمكاتبة شيئاً، ووجه ذلك: أن المستولد لو ضمن للمكاتبة قيمة الولد لكان له أن يرجع على المكاتبة ثانياً؛ لأنها هي الغارة، فإيجاب الضمان لها لا يفيد، ثم رجع عن هذا وقال: يضمن قيمة الأولاد لأن التضمين يفيد؛ لأن المستولد يضمن لها للحال لأن ما يجب على المغرور من ضمان الأولاد يجب حالاً، وما يجب على المكاتب من الضمان للمغرور يجب مؤجلاً؛ لأنه ضمان لزم المحجور بالقول؛ لأن هذا الضمان ثبت بالنكاح والمكاتبة محجور على النكاح عند علمائنا الثلاثة، وكل ضمان يلزم المحجور بالقول، فإنه يتأخر إلى ما بعد العتق، فيكون الضمان معتداً.
قال: وإذا باع المكاتب أو العبد المأذون أمة في يدي رجل، فوطئها المستولد ثم ولدت له ولداً، ثم استحقها رجل وجعل القاضي الولد حراً بالقيمة، فإن المشتري يرجع بقيمة الولد على البائع بالكفالة، والمكاتب والعبد المأذون لا يؤاخذان بالكفالة للحال والعبد لا يؤاخذ بضمان الكفالة أصلاً؛ لأن هذا الضمان إنما يثبت نسبة البيع، فيكون في حكم ضمان البيع، فكان كالمأذون إذا اشترى جارية ووطئها، ثم استحقت فإنه يضمن العقر للحال، وإن كان المأذون لا يؤاخذ بالمهر للحال؛ لأنه يثبت نسبة الشراء، فكان حكمه حكم الثمن كذا ههنا.
قال وأهل الذمة والمسلمون سواء في الغرور؛ لأن الذمة خَلَفٌ عن الإسلام في أحكام الدنيا وهذا من أحكام الدنيا فيكون الذمي والمسلم فيه سواء.
قال: وإذا ورث الرجل أمة من أبيه، فوطئها فولدت منه ولداً ثم استحقها رجل، فإنه يقضى له بالأمة وبقيمة الولد؛ لأنه حصل مغروراً؛ لأنه وطئها على حسبان أنها ملكه، وظهر أنها لم تكن ملكه، فإن كان الأب قد اشتراها من رجل كان للأب أن يرجع بالثمن وبما ضمن من قيمة الولد على بائع أبيه.
فرق بين الوارث وبين الموصى له إذا صار مغروراً وضمن قيمة الولد للمستحق، فإنه لا يرجع على بائع الموصي بشيء لا بالثمن ولا بقيمة الولد، والفرق أن الرجوع بالثمن وبقيمة الولد إنما يكون للمشتري أو لنائب المشتري، والموصى له ليس بمشترٍ ولا نائب عن المشتري لأن الموصى له لا يقوم مقام الموصي في حقوقه كأنه هو، ألا ترى أنه لا يرد بالعيب ولا يرد عليه بالعيب، وإذا لم يكن مشترياً ولا نائباً عن المشتري حكماً لم يكن له أن يرجع على بائع الموصي بشيء، وكان هو في الرجوع وأجنبي آخر عن المشتري سواء، فأما الوارث إن لم يكن مشترياً فهو نائب عن المشتري؛ لأن الوارث يقوم مقامه في الحقوق كأنه هو، ألا ترى أنه يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب كالميت سواء، وإذا كان نائباً عنه حقيقة بأن كان وكيلاً عنه.
قال: وإذا أقر المريض في مرضه الذي مات أن هذه الجارية لفلان ووديعة عندي، فوطئ الوارث الأمة بعد موت المورث منه ثم استحقها رجل، فإنه يقضي للمستحق بالجارية وبالولد؛ لأن الوارث لم يصر مغروراً ههنا؛ لأنه وطأ الجارية مع علمه أنها ملك