التحليف يترتب على دعوى صحيحة، وهذا الدعوى من المأذون لم يصح لمكان التناقض؛ لأنه يدعي أن البائع باع منه المغصوب وإقدامه على الشراء إقرار منه أن المشتري ليس بمغصوب فهو معنى أن المأذون متناقض في هذه الدعوى، والتقريب ما ذكرنا.

وقد وضح محمد رحمه الله هذه المسألة في «الزيادات» ، أو في «الجامع» : في الحر، وذكر أن المشتري لو أقام البينة على ما ادعى في بيع البائع المبيع من غيره، قبل أن يبيعه منه أنه لا يسمع دعواه، ولو أراد أن يحلف البائع على ذلك ليس له ذلك؛ لأن دعواه لم تصح لمكان التناقض على ما ذكرنا، فلا يترتب عليه سماع البينة والتحليف، فمن مشايخنا من لم يصحح ما ذكرنا في المأذون، ومنهم من صححه، واختلفوا فيما بينهم. قال بعضهم: في المسألة روايتان على رواية «الزيادات» و «الجامع» لا تسمع البينة ولا يحلف البائع وعلى رواية «المأذون» تسمع البينة ويحلف البائع.

وجه ما ذكر في «المأذون» : أن المناقضة ثابتة من حيث الظاهر، لا من حيث النص، فإن المشتري لم يقرَ نصاً أن البائع ليس بغاصب، وإنما أثبتنا هذا الإقرار من حيث الظاهر، فإن الظاهر أن العاقل المسلم لا يشتري من الغاصب، والظاهر يصح حجة للدفع لا للإبطال، فلم يجز إبطال بينة المشتري بالمناقضة الثابتة من حيث الظاهر، فكانت البينة مقبولة واليمين مستحق حتى لو أقر المشتري نصاً أن البائع ليس بغاصب، وإنه بسبيل من بيعه، ثم ادعى أنه كان غاصباً، ولم يكن بسبيل من بيعه لم تصح دعواه، ولم تسمع بينته على الروايات كلها، وقال بعضهم: ما ذكر في «الزيادات» و «الجامع» قياس وما ذكر في «المأذون» استحسان.

وفي «الأجناس» : مشتري الأرض إذا أقر أن الأرض المشتراة مقبرة أو مسجد، وأنفذ القاضي إقراره بحضرة من يخاصمه، ثم أقام المشتري البينة على البائع ليرجع بالثمن عليه، قبلت بينته.

وفي «فتاوى أبي الليث» : دار في يدي رجل ادعى أخوه شركة فيها من جهة أنهما ورثاها من أبيهما فلان؛ فقال الذي في يديه الدار: ما كان لأبي في هذه الدار حق، أو قال: ما كانت هذه الدار لأبي، ثم إنه أقام البينة أنه كان اشترى هذه الدار من أبيه في حياته وصحته قبلت بينته، لأن التوفيق بين الكلامين ممكن، فإنه يمكنه أن يقول: لم يكن لأبي وقت الموت ولم يصر ميراثاً بيننا لما أنه قد كان باعها مني قبل ذلك.

ولو قال: لم يكن لأبي قط، أو قال: لم يكن لأبي فيها حق قط، ثم ادعى الشراء بعد ذلك من أبيه، لم يسمع دعواه، ولم يقبل بينته لأن التوفيق هاهنا غير ممكن، وإن ادعى إقرار الأب في هذه الصورة بعد ذلك يسمع دعواه؛ لأن التوفيق بين دعوى إقرار الأب بالدار له، وبين ما تقدم من مقالته أنها لم تكن لأبيه ممكن، لأنه يمكنه أن يقول: ما كانت لأبي لأنها كانت لي، وقد أقر لي بها، وأقرار الإنسان بالعين لغيره إذا لم يكن مملوكاً له صحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015