أوصى له بالثلث من كل شيء، فأقام على ذلك شاهدين وقضى القاضي بشهادتهما ثم رجعوا عن شهادتهما ضمنا جميع الثلث للورثة.

وكذلك لو ادعى الوصية في حال حياة الميت وأقام عليها شاهدين فلم يختصموا في ذلك حتى مات الموصي، وقضى القاضي بشهادتهما بعد موت الموصي ثم رجعوا، فإنهم يضمنون الثلث للورثة، فقد أضاف الاستحقاق إلى الوصية التي ثبتت بشهادة الشهود ولم يضف إلى الموت، وإن كان لابد للاستحقاق بالوصية من الأمرين الموت والوصية، والموت آخرهما وجوداً وفي باب النسب أضاف الاستحقاق إلى الموت إذا كان الموت آخرهما وجوداً بأن كانت الشهادة بالنسب حال حياة الأب، وقد اختلف المشايخ في تخريج المسألتين: بعضهم قالوا: إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع، وإليه مال شيخ الإسلام رحمه الله.

موضوع مسألة الوصية أن الشهادة بالوصية كانت حالة الحياة، والخصومة والقضاء بها كان بعد موت الموصي، والشهادة لا تصير موجبة إلا بالقضاء، فإذا وجد القضاء بعد الموت فكأنهما شهدا بالوصية بعد الموت، ولو كان كذلك كان الاستحقاق مضافاً إلى الوصية التي تثبت آخراً بشهادتهم لا إلى الموت، كذلك ههنا.

وموضوع مسألة النكاح والنسب أن الشهادة والقضاء كانا في حالة الحياة، فلا يمكننا أن نجعلهما شاهدين بعد الموت لا حقيقة ولا اعتباراً، فكان الاستحقاق مضافاً إلى الموت الذي هو أحدهما وجوداً لا إلى النسب والنكاح الذي يثبت بشهادتهما.

وأشار شمس الأئمة السرخسي إلى الفرق فقال: استحقاق الوصية عند الموت بالعقد لا بالموت، فإن ملك الموصى له متجدد ثابت بالعقد فلا يمكن إضافته إلى الموت بخلاف الميراث، فإنه خلافه على معنى أنه يبقى للوارث ما كان من الملك ثابتاً للمورِّث، وهذه الخلافة لا تتحقق إلا بالموت، فأمكن إضافته إلى الموت.

وإذا شهدوا أنه أوصى بهذا الخادم لهذا الرجل وقضى القاضي بشهادتهم ووطئها الموصى له، فعلقت منه ثم رجعوا عن شهادتهم، فإنهم يضمنون قيمة الأمة يوم قضاء القاضي بها؛ لأنهم أزالوا الأمة عن ملكه بغير عوض، فيضمنون قيمتها للورثة ولا يضمنون قيمة الولد ولا العقر؛ لأن العقر إنما يجب بدلاً عما استوفى الموصى له من منافع البضع بسبب شهادة الشهود وقد ضمن الشهود ذلك حين ضمنوا القيمة يوم القضاء؛ لأن منافع البضع ألحقت بسائر أجزائها من حيث الحكم، فكما دخل ضمان سائر الأجزاء في ضمان القيمة، فكذا ضمان منافع البضع تدخل في ضمان القيمة، فإن وقع الاختلاف بين الشهود وبين الورثة في قيمة الجارية يوم القضاء، فقال الشهود: كانت قيمتها يوم القضاء ألف درهم، وقالت الورثة: لا بل كانت ألفي درهم فإن كانت الجارية ميتة فالقول قول الشهود؛ لأن الورثة يدعون عليهم زيادة قيمة وهم ينكرون، وإن كانت الجارية قائمة بحكم الحال فإن كانت قيمتها في الحال ألفي درهم فالقول قول الورثة، وإن كانت قيمتها في الحال ألفاً فالقول قول الشهود؛ لأنهما اختلفا في قيمتها فيما مضى وأمكن تحكيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015