ووجه الفرق أن الشهود إذا كانوا فرقاً إنما لا يضمن الراجع للأخ شيئاً؛ لأن من حجته أن يقول للأخ لولا شهادتنا (169ب4) .

لكان الحرمان ثابتاً لك بشهادة الفريق الآخر، فما أتلفت عليك، ولا يمكن للفريق الواحد أن يحتج على الأخ بهذه الحجة، لأنه لولا شهادتهم لم (يكن) الحرمان ثابتاً بشهادة غيرهم، إذ ليس ههنا فريق آخر فالحرمان في حق الأخ ثابت بشهادتهما، وتبين أنهما شهدا بباطل فيضمنان ذلك للأخ.

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل مات وترك في يدي رجل ألف درهم وديعة والرجل مقر بها، جاء رجل وادعى أنه عم الميت أخ أبيه وأمه لا وارث له غيره وأقام على ذلك بينة، والعم مقر بأن صاحب اليد مودع الميت، فإن القاضي يجعل المودع خصماً للعم، فرق بين هذا وبينما إذا كان في يد إنسان وديعة لرجل، جاء رجل وادعى انه اشترى هذه الوديعة من المالك، وأنكر المودع الشراء، فأقام المدعي بينة على الشراء من صاحب الوديعة، فإن المودع لا يجعل خصماً له.

والفرق ما أشار إليه محمد رحمه الله في «الكتاب» : أن الوارث قائم مقام المورث خلف عنه في أملاكه وحقوق عقده الذي باشره، حتى يرد بالعيب ويرد عليه بالعيب، وكونه مودعاً لا يدفع خصومة من أودعه، فكذا لا يدفع خصومة من قام مقامه، ألا ترى أنه لا يدفع خصومة وكيل صاحب الوديعة؛ لكونه قائماً مقامه، فأما المشتري فليس بقائم مقام البائع، وليس بخلف عنه؛ لأنه بالشراء يثبت له ملك مبتدأ لا بطريق الخلافة من البائع، ولهذا لا يملك الرد على بائعه بالعيب، والمودع إنما ينتصب خصماً للمودع ولمن قام مقام المودع. ثم إذا قضى القاضي بهذه الشهادة ودفع المال إلى العم جاء رجل وأقام بينة أنه أخ الميت لأبيه وأمه لا يعلم له وارثاً غيره تقبل هذه الشهادة؛ لأنه لا منافاة بين هذه البينة وبين البينة الأولى، فإنه يجوز أن يكون للميت عم وأخ، وهذه البينة قامت على الخصم وهو العم؛ لأن المال في يده وهو يزعم أنه له، وينكر كونه للميت، فينتصب العم خصماً عنه إذا قضى القاضي بالشهادة الثانية يأخذ المال من العم ويدفعه إلى الأخ لأب وأم؛ لأن الأخ مقدّم على العم في الميراث.

فإذا دفع المال إليه جاء رجل آخر وأقام البينة أنه ابن الميت لا يعلم له وارثاً غيره، قبل القاضي هذه البينة؛ لأنه لا منافاة بين هذه البينة وبينما تقدم من البيِّنتين وهذه البينة قامت على الخصم أيضاً لما قلنا في العم، وإذا قبل القاضي هذه البينة أخذ المال من العم ودفعه إلى الابن، وإذا دفع إلى الابن ثم رجع الشهود جميعاً عن الشهادة، فالقضاء ماضٍ ولا ضمان على شاهدي العم؛ لأن ما أتلف شهود العم مستحق بشهادة شهود الأخ والابن فلم يكن تلف ذلك مضافاً إلى شهود العم.

فإن قيل: هذا إنما يستقيم أن لو بقي شهود الأخ والابن، على الشهادة، وقد رجعوا مع شهود العم.

قلنا: رجوع شهود الأخ والابن إنما يعمل في حقهما ولا يعمل في حق شهود العم كما لا يعمل في حق المشهود عليه، وإذا لم يعمل في حقهم صار كأنهم لم يرجعوا عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015