فإن ضمن شهود الدخول والطلاق ألفي درهم ليس له تضمين شهود النكاح، لأنه وصل إليه جميع ما غرم للمرأة، وليس لشهود الطلاق والدخول أيضاً أن يرجعوا على شهود النكاح، لأنهم ضمنوا لجنايتهم، وهو تقرير المهر على الزوج، ولم يعترض جناية على حقهم، فلا يكون لهم حق الرجوع على أحد بما ضمنوا كما في غاصب الغاصب.
وإن ضمن شهود النكاح ألف درهم رجع على شهود الدخول والطلاق بألف أخرى، لأنه بقي إلى إتمام حقه ألف درهم، فيرجع بذلك على شهود الطلاق والدخول، وكان لشهود النكاح أن يرجعوا بالألف التي ضمنوا للزوج على شهود الطلاق والدخول، لأنهم بأداء الضمان قاموا مقام الزوج في المضمون، وقد كان للزوج حق الرجوع عليهم بذلك الألف، فكذا لمن قام مقامه.
ثم اختلفت الروايات في حق قبض تلك الألف، ذكر في الرجوع عن الشهادات في «المبسوط» أن شهود النكاح هم الذين يقبضون ذلك. وذكر في «الجامع:» أن الزوج هو الذي يقبض ذلك ثم يدفعه إلى شهود النكاح.
فوجه رواية كتاب الرجوع: هو أن الزوج لما ضمن شهود النكاح ألفاً فقد أقامهم مقام نفسه في الرجوع بها على شهود الطلاق، فتحول ولاية القبض إليهم، كما قلنا في المالك إذا ضمن الغاصب الأول، كان للغاصب الأول أن يضمن الغاصب (161ب4) الثاني، ويقبض الضمان بنفسه لنفسه، لقيامه مقام المالك كذا هذا.
وجه رواية «الجامع» هو: أن السبب الذي ضمن به شهود الطلاق هو الشهادة على ما يؤكد المهر وهو الدخول؛ وهذا السبب إنما جرى بين الزوج وبين شهود الطلاق والدخول، لا بين شهود النكاح وشهود الدخول، فيكون حق القبض للزوج، وإن كان المقبوض ملكاً للغير وهو شاهدا النكاح؛ كالوكيل في باب البيع حق القبض له، وإن كان المقبوض ملكاً للموكل كذا هنا، بخلاف الغاصب الأول مع الغاصب الثاني؛ لأن هناك جرى بين الغاصب الأول وبين الغاصب الثاني سبب لوجوب الضمان عليه وهو الغصب المفوت لليد المحترمة، وبأداء الغاصب الأول الضمان صار المغصوب ملكاً له من وقت الغصب بالأول، فصار الغصب الثاني موجباً الضمان للغاصب الأول، أما هنا بخلافه.
ولو جاء شهود النكاح وشهود الدخول والطلاق، وشهدوا عند القاضي معاً، كانت العبرة بحالة القضاء، فإن قضى بشهادة شهود النكاح أولاً بأن ظهرت عدالتهم، فهذا والفصل الأول سواء، وإن اتصل القضاء بشهادة شهود الدخول أولاً بأن ظهرت عدالتهم أولاً.
وصورته: أن يشهد شاهدان أن هذا الرجل دخل بهذه المرأة أمس بحكم النكاح، وشهد آخران أن هذا الرجل تزوج هذه المرأة أول من أمس على ألف درهم، فعدل شهود الدخول والطلاق أولاً، فقضي على الزوج بضمان البضع، وذلك مهر مثلها وهو ألف درهم، ثم عدلت شهود النكاح، فقضى القاضي عليه بألف أخرى، ثم رجعوا جميعاً لم يضمن شهود الدخول والطلاق إلا ألف درهم، لأنهم لم يوجبوا إلا موجب البضع،