الإقرار، وهذا لأن كذب الفريق الأول مما لم يعلم به الفريق الثاني، ومن لا علم له بكذب الشهود في الحقيقة فالقضاء في حقه يعتبر نافذاً ظاهراً وباطناً، كما قالوا في شاهدين شهدا بطلاق امرأة وقضى القاضي بذلك، إذا تزوجها أجنبي وسعه وطؤها ظاهراً وباطناً؛ لأنه لا يعلم كذب الشهود، فكذا في الفريق الثاني من الشهود نفس القضاء نافذ ظاهراً وباطناً، فيعتبر القضاء في حقه نافذاً ظاهراً وباطناً، وإذا نفذ ظاهراً وباطناً لم تصح شهادة الفريق الثاني، فأما الإقرار فقد وجد من الزوج، وإنه يعلم كذب الشهود على الحقيقة، فيجيء التفصيل في حقه أن القضاء في حقه نفذ ظاهراً أم باطناً؟

قال محمد رحمه الله في «الجامع» : رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها حتى شهد شاهدان على الزوج أنه طلقها وفرق القاضي بينهما، وقضى القاضي بنصف المهر، ثم مات الزوج، ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما فإنهما يغرمان لورثة الزوج (، و) نصف المهر؛ لأن ورثة الزوج قاموا مقام الزوج، والزوج لو كان حياً ورجع الشهود عن الشهادة غرموا للزوج نصف المهر، فكذا لمن قام مقامه، ولا يغرمان لورثة الزوج قيمة منافع بضعها، لأن الزوج لو كان حياً لكان لا يغرمان له ذلك لما عرف أنه لا قيمة لمنافع البضع عند الخروج عن ملك الزوج، فكذا لا يغرمان ذلك لورثته. قال: ولا يغرمان للمرأة ما زاد على نصف المهر. هكذا ذكر في «الكتاب» .

قال مشايخنا: وهذا إنما يستقيم على قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الشاهدين عند الرجوع وإن زعما الطلاق لم يكن، فقد وقع طلاق مبتدأ بقضاء القاضي فيعتبر بما لو وقع بإيقاع الزوج ولو وقع بإيقاع الزوج لم يكن لها إلا نصف المهر كذا إذا وقع بإيقاع القاضي.

فأما على قول أبي يوسف آخراً وهو قول محمد: لم يقع الطلاق مبتدأ بقضاء القاضي، فكان في زعم الشاهدين أن حقها باق في جميع المهر، وإنما فات عليها إمكان الأخذ فيما زاد على النصف بشهادتهما، فكانا مقرين للمرأة بالضمان فيما زاد على النصف فيغرمان ذلك.

قال: ولا ميراث للمرأة، أما إذا كانت تدعي الفرقة فظاهر، وأما إذا كانت تجحد فلوقوع الفرقة بينهما بقضاء القاضي في حال حياة الزوج؛ وهذا إنما يستقيم على قول أبي حنيفة.

أما على قول أبي يوسف آخراً وهو قول: محمد يجب أن يكون لها حصتها من الميراث؛ لأن في زعمها أن الزوج لم يطلقها وقد صدقها الزوج في ذلك حيث غرم الشهود، ولم يقع الطلاق مبتدأ بقضاء القاضي لعدم نفاذ القضاء باطناً عندهما فبقيت الزوجة عند الموت فيكون لها الميراث.

وأما على قول أبي حنيفة وقع طلاق مبتدأ بقضاء القاضي لنفاذ القضاء باطناً عنده، فيعتبر بما لو وقع بإيقاع الزوج، ولو وقع بإيقاع الزوج لا ميراث لها لكون الطلاق قبل الدخول، فكذا إذا وقع بإيقاع القاضي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015