الشهود إذا كانوا أكثر من الاثنين يضاف القضاء ووجوب الحق إلى الكل لضرورة المزاحمة لاستواء حالهم، فإذا رجع واحد منهم زالت المزاحمة لزوال الاستواء، فظهر أن القضاء كان مضافاً إلى شهادة المثنى.

إذا ثبت هذا فنقول: إذا شهد بالحق ثلاثة ورجع واحد منهم، فقد بقي من يقوم بشهادته جميع الحق، فلا يضمن الراجع شيئاً، وإذا رجع الاثنان منهم، فقد بقي من يقوم بشهادته نصف الحق، فكان التالف بشهادة الراجعين نصف الحق، فيجب ضمان ذلك النصف عليهما لاستوائهما في ذلك.

وإن شهد رجل وامرأتان ثم رجعت المرأتان، فعليهما نصف المال؛ لأن المرأتين قامتا مقام رجل، وكأنه شهد بالحق رجلان فرجع واحد منهما، وهناك يجب على الراجع نصف الحق؛ لأنه بقي من يقوم بشهادته نصف الحق، وإن رجعت واحدة من المرأتين فعليها ربع المال؛ لأنه بقي من يقوم بشهادته ثلاثة أرباع المال.

ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا، فلا ضمان على المرأة؛ لأن المرأة الواحدة لا شهادة لها فيما يطلع عليه الرجال، فلا يضاف ثبوت الحق إلى شهادتها.

وإن شهد رجلان وامرأتان ثم رجعوا، فعلى المرأتين ثلث الضمان، لأن شهادة المرأتين حالة الاختلاط بمنزلة شهادة رجل واحد؛ فكأنه شهد بالحق ثلاثة رجال.

وإن شهد رجل واحد وعشر نسوة، ثم رجعوا فعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: النصف على الرجل والنصف على النسوة، لأن النسوة وإن كثرن أقمن مقام رجل واحد، كما في حالة الانفراد حتى إن النسوة وإن كثرن لا يقطع الحكم بشهادتهن فكذا في حالة الاجتماع، وصار تقدير مسألتنا: كأن رجلين شهدا ثم رجع واحد منهم، وعند أبي حنيفة الضمان عليهم أسداساً: سدسه على الرجل وخمسة أسداسه على النسوة؛ لأن حالة الاختلاط كل اثنتين من النسوة أقمن مقام رجل، ألا ترى أنه يقطع الحكم بشهادة رجل وامرأتين كما يقطع بشهادة رجلين، وصار تقدير مسألتنا: كأنه شهد ست رجال، ورجع خمسة.

وإن رجع ثمان نسوة فلا ضمان عليهن، وإن رجعت امرأة بعد الثمان فعليها وعلى الثمان ربع المال، وإن رجعت العاشرة بعد ذلك فعليها وعلى التسع ضمان نصف المال.

وإن شهد رجل وثلاث نسوة ثم رجع الرجل مع امرأة، فإنه يجب ضمان نصف المال، ويكون ذلك على الرجل خاصة عندهما؛ لأن النسوة وإن كثرن فعندهما أقمن مقام رجل واحد حالة الاختلاط والانفراد جميعاً، فكان نصف المال ثابتاً بشهادة النسوة، والنصف ثابتاً بشهادة النسوة والنصف ثابتاً بشهادة الرجل، فإذا بقي امرأتان على الشهادة فقد بقي منهن من يقوم بشهادتهما نصف المال، فعرفنا أن الحجة قد بطلت في حق النصف الثابتة بشهادة الرجل خاصة، فكان ضمان ذلك عليه.

وعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله يجب أن يكون ضمان ذلك النصف على الرجل والمرأة الراجعة أثلاثاً؛ لأن عنده كل ثنتين من النساء حالة الاختلاط أقمن مقام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015