ينقض القضاء ولا يرد المشهود به على المشهود عليه، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، ووجه ذلك: أن الراجع برجوعه يقر على نفسه وعلى غيره:
يقر على نفسه: فإنه يقر أنه شهد بغير حق واستهلك على المشهود عليه ماله بغير حق وصار مستوجباً التعزير والضمان، ويقر على غيره: فإنه يقر أن القاضي قضى بغير حق وأن المشهود له أخذ ماله بغير حق، وإقرار الإنسان على نفسه صحيح وإن كان المقر فاسقاً، وإقراره على غيره لا يصح وإن كان عدلاً، فصارفي حق هذا القاضي وجود هذا الرجوع وعدمه بمنزلة، وبهذا تبين لنا (أنه) يثبت الصدق في الرجوع بدليل زائد على ما أثبتنا الصدق به في الشهادة، وهو كونه إقراراً على نفسه، فصدقه في الرجوع ثابت بالعدالة وبكونه (159ب4) إقراراً على نفسه.
وإذا صح رجوع الشاهد ينظر بعد هذا إن لم يكن المشهود به مالاً، بأن كان قصاصاً أو نكاحاً، فلا ضمان على الشاهد عند علمائنا رحمهم الله، وإن صار الشاهد متلفاً لذلك بشهادته. وإن كان مالاً، فإن كان الإتلاف بعوض يعادله، فلا ضمان على الشاهد أيضاً، لأن الإتلاف بعوض كلاإتلاف وإن كان بعوض لا يعدله، فبقدر العوض لا ضمان ويجب الضمان فيما وراءه، فإن كان الإتلاف بغير عوض أصلاً يجب ضمان الكل، وهذا لأن في الإتلاف الحقيقي إنما يجب الضمان على المتلف جبراً لحق المتلف عليه، وهذا المعنى موجود في الإتلاف الحكمي الحاصل بالشهادة.
ثم إن كان المشهود به عيناً فللمشهود عليه أن يضمن الشاهد بعد الرجوع قبض المشهود له العين من المشهود عليه أو لم يقبض بعد، وإن كان المشهود به ديناً، فليس للمشهود عليه أن يضمن الشاهد للحال، وإنما يضمنها إذا استوفى المشهود له ذلك من المشهود عليه. هكذا ذكر شيخ الإسلام في «شرحه» .
الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «شرحه» سوى بين العين والدين، وقال: «ليس للمشهود عليه أن يضمن الشاهد في فصل العين قبل أن تؤخذ العين من يده» ، كما في فصل الدين.
والفرق على ما ذكره شيخ الإسلام: أن ما يجب على الشاهد من الضمان عند الرجوع ضمان إتلاف، وضمان الإتلاف مقيد بالمثل فمتى كان المشهود به عيناً فالشهود أزالوه عن ملكه بشهادتهما عند اتصال القضاء بها، ألا ترى أن تصرف المشهود عليه فيه بعد ذلك لا ينفذ؟ فلو أزلنا العين عن ملكيهما بأخذ الضمان منهما لا تنتفي المماثلة، أما إذا كان المشهود به ديناً، فالشهود ما أزالا عيناً عن ملكه، بل أوجبا عليه ديناً بغير حق، فلو استوفيا الضمان من الشهود قبل أن يستوفي المشهود له ذلك من المشهود عليه تنتفي به المماثلة؛ لأن المستوفى يكون عيناً، والعين خير من الدين، وينظر إلى قيمة المشهود (به) يوم القضاء، لأن وجوب الضمان عليهما بالإتلاف، والإتلاف حصل بالقضاء، فتعتبر القيمة يوم القضاء.
وإذا كان الرجوع عن الشهادة في مرض الشاهدين، وقضى القاضي بالضمان