الواحدة من النساء فيما لا يحل للرجال النظر حجة، ولو (119أ4) نص على هذا لسقط اعتبار العدد، ولا يسقط اعتبار لفظة الشهادة، لأن النبي عليه السلام سماها شهادة، لما فيها من لفظة الشهادة، وعبارة بعض المشايخ في هذا: إن هذا أخذ شبهاً من أصلين من الشهادات لمعنى الإلزام ومن الإخبارات، حتى لم يشترط فيه صفة الذكورة، فلشبهها بالشهادات شرطنا لفظة الشهادة والحرية والبلوغ عن عقل، ولشبهها بالإخبارات لم يشترط فيه العدد عملاً بالشبهين بقدر الإمكان.
وإن كان مكان المرأة رجلاً واحداً والحادثة مما يطلع عليها الرجال، لم يذكر هذا الفصل في «الكتاب» ، وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: تقبل لأن شهادة الرجل أقوى من شهادة المرأة، فإذا قبلت شهادة المرأة الواحدة في هذا الباب، فشهادة الرجل الواحد أولى، وبعضهم قالوا: لا تقبل؛ لأن القياس أن لا تكون شهادة المرأة الواحدة حجة فيما لا يطلع عليه الرجال كما في سائر الشهادات، وإنما جعلناها حجة بالنص الذي روينا، والنص الوارد بجعل شهادة المرأة الواحدة حجة فيما لا يطلع عليه الرجال لا يكون وارداً بجعل شهادة الرجل الواحد حجة؛ لأن في حق الرجل نصّ بخلافه، وهو قوله تعالى {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين} (البقرة: 282) ثم متى تجعل شهادة الرجل الواحد حجة في هذا الباب؟ من المشايخ اختلفوا فيما بينهم قال بعضهم: إنما تقبل شهادته إذا قال: فاجأتها واتفق نظري إليها، أما إذا قال: تعمدت النظر إليها لا تقبل شهادته؛ لأنه يصير فاسقاً بالنظر إليها متعمداً، وقال بعضهم: وإن تعمد النظر إليها تقبل شهادته كما في الزنا، وأما شهادة النساء بانفرادهن على استهلال الصبي، وهو: صياح الولد بعد الانفصال عن الأمّ، أو على تحرك عضو من أعضائه بعد الانفصال عن الأم مقبولة في حق الصلاة عليه بالإجماع؛ لأنه أمر من أمور الدين.
وأما في حق الميراث فقد اختلفوا فيه، قال أبو حنيفة رحمه الله: لا تقبل، ويشترط شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وقال أبو يوسف ومحمد: تقبل شهادة امرأة واحدة إذا كانت عدلة، فهما يقولان: استهلال الصبي صياحه عند الولادة، وتلك حالة لا يحضرها الرجال، وفيما لا يطلع عليه الرجال شهادة المرأة الواحدة حجة، ألا ترى أنه تقبل شهادتها في حق الصلاة عليه، وأبو حنيفة رحمه الله يقول: الاستهلال صوت مسموع، وفي السماع الرجال يشاركون النساء بانفرادهن ليست بحجة.
وإن وقع ذلك في حالة لا يحضرها الرجال كشهادة النساء على الجراحات في حمامات النساء، وأما شهادتهن على تحرك الولد قبل الانفصال عنها، وشهادة رجل وامرأتين أو رجلين على تحرك الولد قبل الانفصال أو على تحركه حالة الانفصال عند الكل لا تقبل؛ لأن تحرك الولد قبل الانفصال قد يكون بحياة نفسه وقد يكون بحياة الأم، إلا أنه ينفصل ميتاً، وكذلك حالة الانفصال قد يكون تحركه بحياة نفسه، وقد يكون بانتقاله من موضع إلى موضع، فلا يدل ذلك على حياته، أما بعد الانفصال فتحركه لا يكون إلا بحياة نفسه.