الخبر قد يكون كذباً، وعند بعد المسافة يغلب مثل هذا، فلا يعتمد عليه حتى يخبره من يثق به عن معاينته فحينئذٍ يسعه أن يشهد.
وإذا رأى رجلاً وامرأة سكنا في بيت واحد (وينقط) كل واحد منهما على صاحبه، كما يكون من الأزواج وسعه أن يشهد لهما بالنكاح؛ لأن هذا القدر يكفي لتحمل الشهادَةِ بملك اليمين، فإنه إذا رأى شيئاً في يدي أحد يتصرف فيه تصرف الملاك وسعه أن يشهد بملك ذلك الشيء له، فهذا أولى، ألا ترى لو أن رجلاً يسكن مع امرأة في دار، وحدث بينهما أولاد، وخاصمته في النفقة أو طلقها وراجعها، وقضى القاضي بذلك، أو ظاهر منها وكفّر، ثم مات وجحد أولياؤه ميراثها وأنكروا النكاح لم يسع للجيران ومن معهم في الدار أن يشهدوا أنها امرأته وهذا؛ لأن بعد هذا النوع من الاشتهار الذي يسبق إلى قلب كل أحد قيام النكاح بينهما، لو لم تجز الشهادة على النكاح تعطلت الحقوق، وبطل ميراثها، وإنه أمر قبيح.
وإذا قدم عليه رجل من بلد آخر وانتسب إليه، وأقام معه دهراً لم يسعه أن يشهد على نسبه حتى يشهد له رجلان من أهل بلده عدلان أو يكون النسب مشهوراً، وذكر الخصاف هذه المسألة، وشرط لجواز الشهادة شرطين: أحدهما: أن يشتهر الخبر ويعم، الثاني: أن يمكث فيهم سنة، فإنه قال: لا يسعهم أن يشهدوا على نسبه حتى تقع معرفة ذلك في قلوبهم، وذلك بأن يقيم معهم سنة؛ لأن السنة مدة (معتبرة شرعاً) ، ألا ترى أنه قُدِّرَ به أجل العنّين وكثير من الأحكام، فالظاهر أنه لو كان الأمر على خلافه يظهر في هذه المدة، وإن وقع في قلبه معرفة ذلك قبل مضي السنة، لا يجوز له أن يشهد، وروي عن أبي يوسف رحمه الله أنه قدر ذلك بستة أشهر.
والصحيح: أنه إذا سمع من أهل بلده من رجلين عدلين حل له أداء الشهادة وإلا فلا، فإذا سمع ذلك ممن سمع من المدعي لا يحل له أن يشهد وإن اشتهر ذلك بين الناس؛ لأنه لما لم يحل له الشهادة بالسماع منه، فكيف يجوز بإخبار من سمع منه، لكن إنه شهد عنده جماعة حتى تقع الشهرة حقيقة وعرفاً، ووقع عنده أنه ثابت النسب من فلان، أو شهد عنده عدلان حتى يثبت الاشتهار شرعاً حتى له أن يشهد.
أقل ما يجوز في حقوق الناس فيما بينهم من الطلاق والعتاق والنكاح، وكفالة النفس وكفالة الأموال والإبراء، وقضاء القاضي وكتاب القاضي إلى القاضي، والوكالات والرهون والوصايا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، والقياس في ذلك كله: أن يكتفى