ممكن، أما في الوجه الثاني الدعوى قد صح لانعدام التناقض؛ لأنه يمكنه أن يقول ليس في يدي من مال شركتك لا أني قد دفعت إليك مال الشرك قبل هذا.
ولو ادعى عبداً في يد غيره، فقال صاحب اليد: إنه لفلان الغائب أودعنيه لا تندفع الخصومة عنه ما لم يقم البينة على ما ادعى عندنا وهي المسألة المخمسة، وإذا لم يقم بينه على ما ادعى حتى اختصما كان للمدعي أن يستحلفه على دعواه، فإن حلف برأ عن الخصومة وإن نكل قضى عليه بما ادعاه المدعي، فإن جاء المقر له الأول كان له أن يأخذ العبد من المدعي؛ لأن إقرار صاحب اليد الأول كان سابقاً على إقراره للمدعي فيثبت حق الأول في زمان لا مزاحم للمدعي فيه، ثم يقال للمدعي: أنت على خصومتك مع الأول، فإن أقام بينة على أنه له أخذه منه وإن لم يكن له بينة على ذلك استحلف الأول، فإن حلف برأ عن خصومة المدعي، وإن نكل قضى عليه بالعبد للمدعي؛ لأنه صار هو الخصم وترتيب الحجج بين الخصوم ما ذكرنا هذا أقر به الأول ونكل المدعي بعد ذلك، ولو لم يقل شيئاً حتى استحلفه المدعي ونكل وقضى به للمدعي ثم أقر به للغير، لا يصح إقراره ولا يضمن لذلك الغير شيئاً.
ولو أن رجلاً في يديه أمة أو عبد أو عرض من العروض، جاء رجلان وادعى كل واحد منهما أنه له وقدماه إلى القاضي، فسأله القاضي دعواهما فإن أقر به لأحدهما وجحد الآخر يؤمر بالتسليم إلى المقر له؛ لأن بدعواهما لا يبطل ملكه ويده فإقراره يكون إقراراً على نفسه، فيصح ويؤمر بالتسليم إليه، فإن أراد الآخر استحلافه فلا سبيل له عليه وتكون خصومة الآخر مع المقر له؛ لأن فائدة الاستحلاف النكول الذي هو إقرار وبدل وبعد ما خرج عن ملكه لا يصح منه البدل ولا الإقرار، فإن قال الآخر للقاضي: إنما أقر به له ليدفع اليمين عن نفسه فحلفه لي، فالقاضي يحلفه على ذلك، هكذا ذكر الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : وإنه ليس بصواب، والصواب أنه لا يحلفه لما ذكرنا أن فائدة الاستحلاف النكول الذي هو بدل أو إقرار.
ولو كان مكان دعوى الملك المطلق دعوى الغصب بأن ادعى رجلان عيناً في يدي ثالث ادعى كل واحد العين له غصبه صاحب اليد منه وقدماه إلى القاضي فأقر بالغصب من أحدهما، وأمر بالتسليم إليه، فأراد الآخر أن يستحلفه كان له ذلك؛ لأنه لو أقر للثاني يصح إقراره؛ لأنه يعيد الضمان عليه إن كان لا يفيد استحقاق العين؛ لأنه يقر للثاني بالغصب حسب إقراره الأول وقد عجز عن رده إلى الثاني والعجز عن رد المغصوب يوجب الضمان على الغاصب، حصل العجز من جهة الغاصب أو جهة القاضي بخلاف مسألة دعوى الملك المطلق فإن هناك لو أقر للثاني بعدما أقر للأول ودفع إلى الأول بقضاء لا يضمن للثاني شيئاً؛ لأنه ما أقر للثاني بلا ضمان؛ لأن مجرد الإقرار لا يصلح سبباً للضمان في حق الثاني، لأنه لا يزيل ملكه، ألا ترى أن الثاني لو أقام بينة أنه ملكه أخذه من الأول، وإذا خرج من الإقرار من البين بقي التسليم وأنه حصل بقضاء وأنه لا يصلح سبب ضمان، وإذا كان لا يضمن للثاني لو أقر بالعين له لم يكن الاستحلاف مفيداً