فرّع محمد في «الأصل» على مسألة المصارفة فقال إذا وقعت المصارفة بالأجر على نحو ما ذكرنا وقد عقد عقد الإجارة على حمل شيء بعينه بعشرة دراهم، فمات قبل أن يكمل شيئاً أو بعد ما سار نصف الطريق وأجاب بأنه ترد الأجرة كلها على المستأجر إن لم يكن حمل شيئاً وإن سار نصف الطريق رد عليه بنصف الأجر، وذلك جملة دراهم، وهذا التفريع إنما يتأتى على قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد؛ لأنه على هذا القول صح الصرف ووقعت المصارفة بين الأجرة وبدل الصرف، وصار المستأجر موقناً الأجر بالمقاصة فيعتبر بما لو أوفاه باليد ثم انتقضت الإجارة، وهناك يرد الأجر كله على المستأجر إن كان الحمال لم يحمل شيئاً ونصف الأجر إن حمل نصف الطريق كذا هاهنا.
أما على قوله الآخر الصرف لم يصح ولم تقع المقاصة، ولم يصر الأجر موقعاً الأجر، فإن مات الحمال قبل أن يحمل شيئاً كان على ورثة الحمال رد الدينار على المستأجر، لأن الحمال قبضه بحكم صرف فاسد، ولا شيء لورثة الحمال من الأجر، وإن مات في نصف الطريق فإن ورثة الحمال قد أوفاه نصف العمل.
وفي «نوادر أبي سليمان» عن محمد: رجل أجر أرضه من رجل بألف درهم (17أ4) وقبضها وزرعها أو لم يزرعها فلم تمض السنة حتى أخذ رب الأرض من المستأجر خمسين ديناراً من الأجرة فهو جائز.
علل فقال: لأن الإجارة كان أصلها صحيحاً فإن انتقضت الإجارة في شيء من السنة ردت الأرض على المستأجر من الدراهم التي أجرتها الأرض بقدر ما بقي من السنة، ولم يرد من الدينار شيئاً.
علل فقال: لأن أصل الصرف كان صحيحاً ووجه ذلك: أن بسبب هذه المصارفة وقعت المقاصة بين الأجر وبين ثمن الدنانير، وصار المستأجر موقتاً الدراهم التي هي أجرة بالدراهم التي هي بدل الدنانير فيعتبر بما لو أوفاها حقيقة، وهناك إذا انقضت الإجارة في شيء من السنة يلزم الآجر رد بعض الدراهم فهاهنا كذلك، وهذا التفريع إنما يتأتى على قول محمد وأبي يوسف الأول، أما لا يتأتى على قوله الأخر هذه المصارفة لم تصح ولا حكم لها أصلاً.
وإذا باع بالأجر ثوباً أو طعاماً كان ذلك قبل استيفاء المنفعة وقبل اشتراط التعجيل جاز البيع، لأن البيع بدين ليس بواجب في الحال ولا يجب في الثاني جائز، بأن باع بدين مظنون شيئاً ثم تصادقا على أنه لا دين فإنه يصح البيع، فلأن يصح البيع بالأجرة وإنها تجب في الثاني إن لم تجب في الحال أولى؛ وهذا لأنه ليس المقصود من إضافة البيع إلى الدين وإلى الأجرة استحقاق عينها وإنما المقصود المقاصة من الأجر ومن الثمن متعلق القدر بمثل الأجرة ديناً في الذمة.d
وتقع المقاصة بين الأجر والثمن بعد هذا اختلف المشايخ في كيفية وقوع المقاصة، قال بعضهم: يقع الشراء بثمن مؤجل بسبب تأجيل الأجر، فإذا وجب الأجر وحل الإتيان تقاصا.