قبل استيفاء المنفعة ولم يشترط تعجيل الأجرة في العقد لم يجز في قول أبي يوسف، عيناً كانت الأجرة أو ديناً والإجارة على حالها لا تنفسخ.
وقال محمد رحمه الله: إن كانت الأجرة ديناً جاز ذلك قبل المستأجر أو لم (16ب4) يقبل ولا تنتقض الإجارة، وإن كانت عيناً فوهبها منه، فإن قبل الهبة تبطل الإجارة، وإن رد لم تبطل الإجارة، وعادت الأجرة على حالها.
فأبو يوسف رحمه الله يقول: الابراء إسقاط الواجب، فيعتمد سابقة الوجوب، والهبة تمليك، فيعتمد سابقة الملك، ولا وجوب ولا ملك بدون استيفاء المنفعة واشتراط التعجيل، وإذا لم يصح تصرفه بقيت الأجرة على حالها فلا تنتقض الإجارة، بخلاف المشتري إذا وهب المبيع من البائع قبل القبض وقبله البائع حيث يبطل البيع؛ لأن هناك الهبة قد صحت لصدورها من المالك ويده من جنس القبض المستحق بالهبة فثبت الملك، وإذا ثبت الملك فإن القبض المستحق بالعقد فيبطل العقد.
ومحمد رحمه الله يقول: سبب الوجوب ثابت فأقيم مقام الوجوب في حق صحة التصرف، ثم إن محمداً رحمه الله لم يشترط القبول في الإبراء والهبة إذا كانت الأجرة ديناً، ويشترط القبول في الهبة إذا كانت الأجرة عيناً.
والفرق: أن الإبراء والهبة في الدين إسقاط فيه معنى التمليك، فمن حيث إنه إسقاط لم يتوقف على القبول، ومن حيث إنه تمليك يريد به الرد والهبة في العين تمليك محض والتمليك المحض لا يعمل بدون القبول، ثم إذا قبل الهبة وكانت الأجرة عيناً بطلت الإجارة عند محمد؛ لأن عقد الإجارة ينعقد موقوفاً في حق المحل على حسب حدوث المنفعة، فمتى كانت الأجرة عيناً، ووهبها من المستأجر، وقبل المستأجر لا يمكن القول ببقاء التوقف في حق المحل فصار ذلك مناقضة، فبطلت الإجارة ضرورة.
وإذا كانت الأجرة ديناً ووهبها له أو أبرأه منها وقبل المستأجر ذلك أو لم يقبل لا تبطل الإجارة، لأن الحكم ببقاء الإجارة ممكن هناك؛ لأن محل الأجرة إذا كانت ديناً في الذمة، وذمته باقية فيقام قيام محل الأجرة مقام قيام الأجرة إبقاء للعقد بقدر الممكن، ولو وهبت بعض الأجرة أو أبرأ عن بعض الأجرة جاز بلا خلاف، أما على قول محمد فظاهر، وأما على قول أبي يوسف فلأنه يعتبر هذا خطأ، ويجعل كأن العقد من الابتداء ورد على ما بقي خاصة، ولا كذلك هبة الكل.
وإن كانت هذه التصرفات من المؤاجر بعد استيفاء المنفعة أو بعد اشتراط التعجيل جازت بلا خلاف، لأن بعد استيفاء المنفعة، أو بعد اشتراط التعجيل ثبت الوجوب وثبت الملك، فيصح الإسقاط والتمليك على قول أبي يوسف رحمه الله.
ذكر الحاكم الشهيد في «المنتقى» : رجل أجر أرضه من رجل بدراهم معلومة وقبض الأجرة، فلم يزرع المستأجر حتى وهب الآجر الأجر للمستأجر ودفعه إليه، ثم انتقضت الإجارة بوجه من الوجوه، فإن للمستأجر أن يرجع على الآجر بما أعطاه الأجر إلا حصة ما مضى من السنة والأرض في يد المستأجر، ولو كان وهب له قبل القبض لم يرجع