الوجه الثاني: إذا اقتسموا الأرض نصفين وشرطوا وقت القسمة أن من وقع البناء في نصيبه أعطي نصف قيمة البناء الآخر إلا أنه لم يعرف قيمة البناء وقت القسمة ولم يتبينوا ذلك، فهذه القسمة.
وهذا بخلاف ما لو باع داراً وأرضاً له وذكر الحقوق فإنه يدخل الطريق والشرب في البيع، وإن أمكن للمشتري فتح الطريق وتسييل الماء من موضع آخر من ملكه؛ لأن العمل باللفظين ممكن في البيع، لأن موجب البيع ملك اليمين، وبعدما دخل الحقوق ويبقى كذلك تمليكا للعين فلا ضرورة إلى إلغاء أحد اللفظين، أما عند عدم ذكر الحقوق في القسمة لم يوجد في القسمة ما يوجب دخول الحقوق.
أما إذا أمكنه فتح الطريق وتسييل الماء في نصيبه؛ فلأن في هذه الصورة لا يدخل الطريق وتسييل الماء مع ذكر الحقوق فبدون ذكر الحقوق أولى وأما إذا أمكنه فتح الطريق وتسييل الماء في نصيبه؛ فلأن الطريق وتسييل الماء لو دخلا في هذه القسمة دخلا بدلالة الحال؛ لأن الظاهر أنهما يباشران قسمة جائزة لا فاسدة، لا أن دلالة الحال إنما يعتبر إذا لم يوجد الصريح بخلافها وقد وجد الصريح هنا بخلافها، وهو التنصيص على لفظة القسمة، فإن القسمة للإفراز وخلوص الأنصباء.
وإذا اقتسم الرجلان داراً، فلما وقعت الحدود بينهما، فإذا أحدهما الطريق له، فإن كان يقدر على أن يفتح في حيزه طريقاً فالقسمة جائزة، وإن كان لا يقدر أن يفتح في حيزه طريق فالقسمة جائزة، وإن كان لا يقدر أن يفتح لنصيبه طريقاً، فإن لم يعلم وقت القسمة أن لا طريق له فالقسمة فاسدة؛ لأنها تضمنت تفويت منفعة على بعض الشركاء بغير رضاه.
وإن علم وقت القسمة أن الطريق له فالقسمة جائزة، وإن تضمنت تفويت منفعة على بعض الشركاء لرضاه بذلك، وكذلك لو اقتسما على أن الطريق لأحدهما جازت القسمة لما ذكرنا، وإن كان يقدر على أن يفتح في نصيبه طريقاً يمر فيه الرجل ولا يمر فيه الحمولة فالقسمة جائزة.
فالأصل في الطريق مرور الناس فيه، فأما مرور الحمولة فيه لا يكون إلا نادراً، وإن كان بحيث لا يمر فيه رجل فهذا ليس بطريق، ولا تجوز القسمة فيها من قطع منفعة الملك على أحدهما.
إذا كانت الدار بين رجلين، فاقتسما على أن يأخذ أحدهما الأرض كلها ويأخذ الآخر البناء، ولا شيء له من الأرض، فهذا على ثلاثة أوجه:
الأول: إذا شرطا في القسمة على المشروط له البناء قلع البناء وفي هذا الوجه القسمة جائزة؛ لأن القسمة في معنى البيع، ومن اشترى بناء بشرط القلع بأرض له كان جائزاً فكذا هاهنا، وصار المشروط البناء مشترياً نصيب صاحبه من النقص بما ترك على صاحبه من نصيبه من الأرض، وإن سكتا عن القلع ولم يشترطا ذلك جازت القسمة