فنقول: القسمة نوعان: قسمة في ذوات الأمثال كالمكيلات والموزونات والعدديات المتقاومة.
وقسمة في غير ذوات الأمثال من العدديات المتقاومة كالنبات والأغنام.
فالقسمة في ذوات الأمثال إفراز وقبض لعين الحق حكماً، مبايعة من حيث الحقيقة من وجه؛ لأن ما قبضه كل واحد منهما نصف ملكه من الأصل حقيقة، ونصفه ملك صاحبه صار له من جهة صاحبه بالقسمة.
فهو معنى قولنا: إنها مبايعة من حيث الحقيقة من وجه، إلا أن ما أخذ كل واحد منهما من نصيب صاحبه مثل ما ترك عليه بيقين وأخذ مثل الحق بمنزلة أخذ عين الحق حكماً.
ألا ترى أن أخذ المثل في الرضى جعل كأخذ العين حكماً حتى لم تثبت المبادلة بين المستقرض وبين المأخوذ.
فهو معنى قولنا: إنها إفراز لعين الحق حكماً، ففي كل موضع لا يمكن العمل بشبه الإفراز والمبايعة يعمل بها، وفي كل موضع لا يمكن العمل بالشبهين يعمل بنسبة الإفراز؛ لأن شبه الإفراز راجح؛ لأنه ثابت حكماً من كل وجه، وحقيقة من وجه. ولهذا كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ نصيبه من غير رضى صاحبه.
وإذا اشترى رجلان مكيلاً أو موزوناً بدراهم وأقسماهما فيما بينهما، فلكل واحد منهما أن يبيع من الحسر بنصف الدرهم.
فإن قيل: أليس محمد رحمه الله ذكر في آخر كتاب القسمة: إذا كان وصي الذمي مسلماً، وفي التركة خمور وخنازير أنه يكره له قسمتها. ولو كان الرجحان في هذه القسمة لشبه الإفراز ينبغي أن يجوز من غير كراهة، فإن الذمي إذا وكل مسلماً أن يقبض خمراً له جاز للوكيل قبضها من غير كراهة.
قلنا: ذكر شمس الأئمة الحلواني: أنه إذا كان في التركة الخمور لا غير لا يكره للوصي المسلم قسمتها، لأن هذه القسمة إفراز محض، ليس فيها شبهة المبادلة، والمسلم يملك قبض خمر الذمّى، وإنما تكره القسمة إذا كان مع الخمور الخنازير؛ لأن القسمة تكون مبادلة.