لأن ثمن نصف الدار أو ثلثه معلوم يتعين، ويكون أحد هذا النصف بحكم الشفعة لا بحكم شراء مبتدء بدليل ما ذكر في «الكتاب» .
وكان لهذه الدار جار أخذ الجار منه نصف هذا النصف ولو كان هذا تسليماً في كل الدار واحداً للنصف أو الثلث بشراء مبتدء لكان الجار أولى بكل هذا النصف، وأما إن سلم الشفعة على أن يأخذ من الدار بيتاً بعينه.
وفي هذا الوجه الصلح باطل، وله أن يأخذ جميع الدار بعد ذلك أو يدع؛ لأن الأخذ حصل بثمن مجهول؛ لأنه إنما يعرف ثمن بيت منها بعينه بالحرز والظن بأن يقسم الثمن على قيمة البيت وعلى قيمة ما في الدار والناس يتفاوتون في ذلك.
فإن قيل: أليس لو اشترى داراً بعبد فالشفيع يأخذ الدار بقيمة العبد وقيمة العبد يعرف بالحرز والظن.
قلنا قضية القياس: أن لا توجد الدار بقيمة العبد إلا أنا تركنا القياس لضرورة؛ لأن بيع الدار بالعبد وقد صح؛ لأنه بيع ما هو معلوم بثمن معلوم، وإذا صح البيع وجبت الشفعة ولا يمكن الأخذ إلا بقيمة العبد أو وجب الأخذ بالقيمة لهذه الضرورة مثل هذه الصورة لا يتأتى هاهنا؛ لأن أخذ البيت بثمن معلوم ممكن للشفيع، وليس إذا سقط اعتبار الحالة لضرورة ما يدل على أنه يسقط اعتبارها لغير ضرورة.
وإذا بطل التسليم وكان الشفيع على شفعة فرق بيت هذا وبينما إذا سلم الشفعة على مال أخر حتى لا يجب المال كان التسليم جائز، وهاهنا قال: التسليم لا يصح والعرض المسمى لم يسلم للشفيع في المسألتين.
والفرق: أن تسليم الشفعة على مال آخر لا يجوز له بحال فكان ذكر المال ولا ذكره بمنزلة، ولو سلم الشفعة ولم يذكر مالاً صح التسليم كذا هاهنا، أما تسليم البعض وأخذ البعض جاز بحال وهو أن يكون بدل المأخوذ معلوماً فلا يصير ذكر العوض ولا ذكره سواء فيجب اعتبار العوض، فإذا لم يسلم العوض يبقى على حقه، وإذا وهب الشفيع الشفعة أو باعها من إنسان لا يكون تسليماً هكذا ذكر في «فتاوي أهل سمرقند» ؛ لأن البينة لم تصادف محله أصلاً فليغى.
وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في شرح كتاب الشفعة قبيل باب الشهادة: إذا باع الشفعة كان ذلك تسليماً للشفعة ولا يحب المال علل فقال حق الشفعة لا يحتمل البيع؛ لأن البيع تمليك وحق (171ب3) الشفعة لا قبل التمليك، فيصير كلامه عبارة عن الإسقاط مجازاً.
كبيع الزوج زوجته من نفسها وهو الصحيح، وقد ذكر محمد رحمه الله في شفعة «الجامع» وما يدل عليه، وسيأتي ذلك بعد هذا في الصحيفة التي تلي هذه الصحيفة إن شاء الله.
إذا سلم الشفيع الشفعة ثم زاد البائع بعد ذلك في المبيع عبداً أو أمة كان للشفيع أن يأخذ الدار بحصتها من الثمن؛ لأن الزيادة ملتحق بأصل العقد، فتبين أن حصة الدار من الثمن أقل مما علم الشفيع في الباب الأول من شفعة «الواقعات» .